للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ سَمِعْتُ بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ مَا حُجِرَ الْحِجْرُ فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إِلَّا إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كُلِّهِ

ــ

٨١٥ - ٨٠٥ - (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: مَا حُجِرَ) بِالتَّخْفِيفِ بُنِيَ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ مُنِعَ (الْحِجْرُ، فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إِلَّا إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كُلِّهِ) ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ طَافَ مِنْ دَاخِلِ الْحِجْرِ، وَكَانَ عَمَلًا مُسْتَمِرًّا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِيجَابِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَائِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَعَلَّ إِيجَابَ الطَّوَافِ مِنْ وَرَائِهِ احْتِيَاطًا، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُ فَعَلُوهُ اسْتِحْبَابًا لِلرَّاحَةِ مِنْ تَسَوُّرِ الْحِجْرِ، لَا سِيَّمَا وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَطُوفُونَ جَمِيعًا، فَلَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمَرْأَةِ التَّكَشُّفُ، فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا حَسْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ.

وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُهَلَّبُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ: أَنَّ حَائِطَ الْحِجْرِ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَاهُ، وَوَسَّعَهُ قَطْعًا لِلشَّكِّ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ حَوْلَ الْبَيْتِ فَفِيهِ نَظَرٌ.

وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ عُمْدَتَهُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ، كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا جِدَارُهُ قَصِيرٌ، فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، انْتَهَى.

وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ، لَا فِي الْحِجْرِ، فَدَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى قَائِلِهِ مِنْ هُنَا، وَلَمْ يَزَلِ الْحِجْرُ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، نَعَمْ، فِي الْحُكْمِ بِفَسَادِ طَوَافِ مَنْ طَافَ دَاخِلَ الْحِجْرِ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ نَظَرٌ، وَقَدْ قَالَ بِصِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ كَأَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ، وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عَرْضَ مَا بَيْنَ الْمِيزَابِ، وَمُنْتَهَى الْحِجْرِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْهَا عَرْضُ جِدَارِ الْحِجْرِ ذِرَاعَانِ وَثُلُثٌ، وَفِي بَطْنِ الْحِجْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَعَلَى هَذَا فَنِصْفُ الْحِجْرِ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَا يَفْسُدُ طَوَافُ مَنْ طَافَ دُونَهُ.

وَقَوْلُ الْمُهَلَّبِ: الْفَضَاءُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا إِنَّمَا الْبَيْتُ الْبُنْيَانُ؛ لِأَنَّ شَخْصًا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَانْهَدَمَ ذَلِكَ الْبَيْتُ، لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ مَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْتِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ مِنَ الطَّوَافِ مَا شُرِعَ لِلْخَلِيلِ اتِّفَاقًا، فَعَلَيْنَا أَنْ نَطُوفَ حَيْثُ طَافَ، وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِانْهِدَامِ جِرْمِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِفَوَاتِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، فَحُرْمَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>