للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلْيَغْسِلْ، وَالنَّضْحُ لُغَةً: الرَّشُّ وَالْغَسْلُ، فَرِوَايَةُ يَحْيَى مُجْمَلَةٌ يُفَسِّرُهَا رِوَايَةُ غَيْرِهِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ أَيْ يَغْسِلُ (فَرْجَهُ بِالْمَاءِ) أَيْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ دُونَ الْأَحْجَارِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ تَعَيُّنُ الْغَسْلِ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقَعُ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِهِ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْمَذْيِ عَلَى كَثْرَتِهَا ذِكْرُ الِاسْتِجْمَارِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَصَحَّحَ فِي بَاقِي كُتُبِهِ جَوَازَ الْأَحْجَارِ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْبَوْلِ، وَحُمِلَ الْأَمْرُ بِالْمَاءِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَفِيهِ أَيْضًا وُجُوبُ غَسْلِهِ كُلِّهِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ لَا مَحَلَّ الْمَخْرَجِ فَقَطْ كَالْبَوْلِ، وَقَدْ رَدَّ الْبَاجِيُّ إِلْحَاقَهُ بِالْبَوْلِ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الذَّكَرِ بِلَذَّةٍ فَوَجَبَ بِهِ غَسْلٌ يَزِيدُ عَلَى مَا يَجِبُ بِالْبَوْلِ كَالْمَنِيِّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يَرِدُ النَّضْحُ بِمَعْنَى الْغَسْلِ وَالْإِزَالَةِ وَأَصْلُهُ الرَّشْحُ وَيُطْلَقُ عَلَى الرَّشِّ، وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِكَسْرِ الضَّادِ، وَاتَّفَقَ فِي بَعْضِ مَجَالِسِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا حَيَّانَ قَرَأَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ فَقَالَ لَهُ السَّرَّاجُ الدَّمَنْهُورِيُّ: ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالْكَسْرِ فَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: حَقُّ النَّوَوِيِّ أَنْ يَسْتَفِيدَ هَذَا مِنِّي وَمَا قُلْتُهُ هُوَ الْقِيَاسُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ يَشْهَدُ لِلنَّوَوِيِّ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْجَامِعِ أَنَّ الْكَسْرَ لُغَةً وَأَنَّ الْأَفْصَحَ الْفَتْحُ.

(وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا يَتَوَضَّأُ إِذَا قَامَ لَهَا لَا أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ كَمَا قَالَ بِهِ قَوْمٌ، وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الطَّحَاوِيُّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمَذْيِ فَقَالَ: " فِيهِ الْوُضُوءُ وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ» " فَعُرِفَ أَنَّهُ كَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ لَا يُوجَبُ الْوُضُوءُ بِمَجَرَّدِهِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ وَضَوْءُهُ لِلصَّلَاةِ قَطَعَ احْتِمَالَ حَمْلِ التَّوَضِي عَلَى الْوَضَاءَةِ الْحَاصِلَةِ بِغَسْلِ الْفَرْجِ، فَإِنَّ غَسْلَ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ قَدْ يُسَمَّى وَضُوءًا كَمَا وَرَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَالْمُرَادُ غَسْلُ الْيَدِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ " وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُ غَسْلِهِ عَلَى الْوُضُوءِ وَهُوَ أَوْلَى، وَتَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِهِ، لَكِنَّ مَنْ يَقُولُ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِلَا حَائِلٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَعَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الظَّنِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ بِهِ وَفِيهِمَا نَظَرٌ ; لِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ بِحَضْرَةِ عَلِيٍّ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْهُ فَقُلْتُ لِرَجُلٍ جَالِسٍ إِلَى جَنْبِي: سَلْهُ فَسَأَلَهُ، وَقَدْ أَطْبَقَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَالْمَسَانِيدِ عَلَى إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ وَلَوْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ لَأَوْرَدَهُ فِي مُسْنَدِ الْمِقْدَادِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ فِي غَيْبَةِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى الْمُدَّعِي لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَحُفُّ الْخَبَرَ فَتُرَقِّيِهِ عَنِ الظَّنِّ إِلَى الْقَطْعِ قَالَهُ عِيَاضٌ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ أَنَّهُ صُورَةٌ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي تَدُلُّ وَهِيَ كَثِيرَةٌ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِجُمْلَتِهَا لَا بِفَرْدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا، وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنْ حِفْظِ حُرْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوْقِيرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>