للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ، وَوَقَعَ لِرُوَاةِ الْبُخَارِيِّ غُرَفٍ جَمْعُ كَثْرَةٍ إِمَّا لِقِيَامِهِ مَقَامَ جَمْعِ الْقِلَّةِ أَوْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ جَمْعُ قِلَّةٍ كَعَشْرِ سُوَرٍ وَثَمَانِيَ حِجَجٍ، وَالتَّثْلِيثُ خَاصٌّ بِالرَّأْسِ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ رَأْسِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَحُمِلَ التَّثْلِيثُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ كُلَّ غُرْفَةٍ كَانَتْ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الرَّأْسِ.

(ثُمَّ يَفِيضُ) أَيْ يَسِيلُ (الْمَاءُ عَلَى جِلْدِهِ) أَيْ بَدَنِهِ وَقَدْ يُكَنَّى بِالْجِلْدِ عَنِ الْبَدَنِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الدَّلْكَ ; لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ الْإِسَالَةُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ فَاضَ بِمَعْنَى غَسَلَ فَالْخِلَافُ فِيهِ قَائِمٌ.

(كُلَّهُ) أَكَّدَهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَمَّ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِالْغُسْلِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ إِطْلَاقِهِ عَلَى أَكْثَرِهِ تَجَوُّزًا، فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِكْمَالِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ إِلَى فَرَاغِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو مُعَاوِيَةَ دُونَ أَصْحَابِ هِشَامٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هِيَ غَرِيبَةٌ صَحِيحَةٌ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ لَهَا شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: فَإِذَا فَرَغَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهَا كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ عَلَى أَكْثَرِهِ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُسْتَدَلُّ بِرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَيْ أَعَادَ غَسْلَهُمَا لِاسْتِيعَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَيُوَافِقُ حَدِيثَ الْبَابِ.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَجَرِيرٌ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَوَكِيعٌ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ يَعْنِي فَرِوَايَتُهُ شَاذَّةٌ كَمَا عُلِمَ، ثُمَّ الشُّذُوذُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَإِلَّا فَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فَعَلَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا حَدَّثَتْ بِهِ، فَبِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>