للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا إِذَا أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، فَلَوْ عُتِقَ بَعْضُهَا فَلَا خِيَارَ لِبَقَاءِ النُّقْصَانِ وَأَحْكَامِ الرِّقِّ، وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ; إِذْ لَوْ طُلِّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: الْبَيْعُ طَلَاقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ ٢٤) ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرِ أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَا يَبْطُلُ بَيْعُ الرَّقَبَةِ، كَمَا فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَسْبِيَّاتِ فَهُنَّ الْمُرَادُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ سَبَبِ نُزُولِهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ حِينَ عَتَقَتْ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا وَيَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبَّاسٍ: يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبَ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ رَاجَعْتِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، وَبِهِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ لِقَوْلِهِمْ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأَمَةِ إِذَا عَتَقَتْ مُطْلَقًا كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْأَسْوَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى رَاوِيهِ: هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَسْوَدِ أَوْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ هُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَحَدُ الْحُفَّاظِ مِنْ طَبَقَةِ مُسْلِمٍ: خَالَفَ الْأَسْوَدُ النَّاسَ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا عَنِ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ، وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَرَوَاهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا رَوَى عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ شَيْئًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ، وَإِذَا عُتِقَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَعَقْدُهَا الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ لَا يُفْسَخُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُ الْعَبَّاسِ وَابْنِهِ عَبْدًا أَصَحُّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَكَذَا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبُو الْأَسْوَدِ أُسَامَةُ اللَّيْثِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَلِّمُ، ثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا. فَهُوَ وَهْمٌ مِنْ مُوسَى أَوْ مِنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ ثُمَّ أَصْحَابَ جَرِيرٍ قَالُوا: كَانَ عَبْدًا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ: كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا. فَأَخْبَرَتْ وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا ثُمَّ عَلَّلَتْ بِقَوْلِهَا: وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، وَهَذَا لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ عَبْدًا قَبْلَ الْعِتْقِ حُرًّا عِنْدَهُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَعْقُبُهُ الْحُرِّيَّةُ لَا الْعَكْسُ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، تُعُقِّبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ إِذَا تَسَاوَتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>