للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، وَقَعَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُلَاعِنِ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ الَّذِي شَرَحَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا سَبِيلَ لَكَ، عَلَيْهَا لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَفَظُ " فَطَلَّقَهَا " يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِاللِّعَانِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَصَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حُكْمِهِنَّ، فَلَا يَكُونُ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَا أَنْ يَخْطُبَهَا إِنْ كَانَ بَائِنًا، وَإِنَّمَا اللِّعَانُ فُرْقَةُ فَسْخٍ.

(قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ) أَيِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا (بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ) فَلَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَ الْمُلَاعَنَةِ أَبَدًا، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا سَوَاءٌ صَدَقَتْ أَوْ صَدَقَ، وَوَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيِّ: " «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ". وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفُ ذَلِكَ عَلَى تَلَاعُنِهِمَا مَعًا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يَقَعُ التَّحْرِيمُ بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَحْنُونٌ: بِفَرَاغِ الزَّوْجِ ; لِأَنَّ الْتِعَانَ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا الْحَدُّ عَنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَفْيَ النَّسَبِ وَلُحُوقَ الْوَلَدِ وَزَوَالَ الْفِرَاشِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّوَارُثِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الرَّجُلِ، وَفِيمَا إِذَا عُلِّقَ طَلَاقُ الْمَرْأَةِ بِفُرَاقِ أُخْرَى ثُمَّ لَاعَنَ الْأُخْرَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُوقِعَهَا الْحَاكِمُ لِظَاهِرِ أَحَادِيثِ اللِّعَانِ وَيَكُونُ فُرْقَةَ طَلَاقٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ.

وَقَدْ زَادَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ: وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا، وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَمْ يَرْوِهَا عَنْ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ غَيْرَ سُوَيْدٍ اهـ. لَكِنْ وَلَوِ انْفَرَدَ بِهِ سُوَيْدٌ عَنْ مَالِكٍ فَلَهُ أَصْلٌ، فَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلٍ مِثْلَ رِوَايَةِ سُوَيْدٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَصْدُقُ عُوَيْمِرٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ هَذَا: أَنَّ الْآيَاتِ نَزَلَتْ بِسَبَبِ قِصَّةٍ عُوَيْمِرٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ، فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ وَلِيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٩] (» سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ ٦ - ٩) الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّهُمَا تَلَاعَنَا، وَأَنَّ الْوَلَدَ جَاءَ عَلَى صِفَةِ شَرِيكٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " وَكَانَ هِلَالٌ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ ". قَالَ الْحَافِظُ: اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ نُزُولَهَا فِي شَأْنِ عُوَيْمِرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ نُزُولَهَا فِي شَأْنِ هِلَالٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>