للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَذَلِكَ بَلْ هُوَ لِلتَّوْبِيخِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَوْلُهُ " أَشْهِدْ " صِيغَةُ أَمْرٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْجَوَازِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ لِعَائِشَةَ: " «اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ» ". سَادِسُهَا: دَلَّ قَوْلُهُ " «أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ» " عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَالنَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ، وَهَذَا جَيِّدٌ لَوْلَا وُرُودُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الزَّائِدَةِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَلَا سِيَّمَا وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ وَرَدَتْ بِعَيْنِهَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَيْثُ قَالَ: سَوِّ بَيْنَهُمْ. سَابِعُهَا: فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحْفُوظَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ: قَارِبُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، لَا: سَوُّوا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُوجِبُونَ الْمُقَارَبَةَ كَمَا لَا يُوجِبُونَ التَّسْوِيَةَ. ثَامِنُهَا: التَّشْبِيهُ الْوَاقِعُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ بِالتَّسْوِيَةِ مِنْهُمْ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْجَوْرِ عَلَى عَدَمِ التَّسْوِيَةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ، يَدُلُّ لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا التَّشْبِيهُ: فَلَا إِذًا، لَكِنَّ فِي التَّمْهِيدِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا عَلَى حَقٍّ، الْحَقَّ الَّذِي لَا تَقْصِيرَ فِيهِ عَنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَهُ حَقًّا. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْجَوْرُ الْمَيْلُ عَنِ الِاعْتِدَالِ فَالْمَكْرُوهُ أَيْضًا جَوْرٌ اهـ. تَاسِعُهَا: عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدَمِ التَّسْوِيَةِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، فَأَبُو بَكْرٍ نَحَلَ عَائِشَةَ دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ كَمَا يَأْتِي، وَعُمَرُ نَحَلَ ابْنَهُ عَاصِمًا دُونَ سَائِرِ أَوْلَادِهِ. ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ أَجَابَ عُرْوَةُ عَنْ قِصَّةِ عَائِشَةَ بِأَنَّ إِخْوَتَهَا كَانُوا رَاضِينَ بِذَلِكَ، وَيُجَابُ بِمِثْلِهِ عَنْ قِصَّةِ عُمَرَ. عَاشِرُهَا: انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ عَطِيَّةِ الرَّجُلِ مَالَهُ لِغَيْرِ وَلَدِهِ، فَمَنْ جَازَ أَنْ يُخْرِجَ جَمِيعَ وَلَدِهِ عَنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَيْ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى " «لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» " أَيْ لَا أَشْهَدُ عَلَى مَيْلِ الْأَبِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ: «لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ» ، وَفِيهِ أَنَّ لِلْأَبِ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ وَكَذَا لِلْأُمِّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا تَرْجِعُ الْأُمُّ إِذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا، وَمَحَلُّ رُجُوعِ الْأَبِ مَا لَمْ يُدَايَنِ الِابْنُ أَوْ يَنْكِحْ لِلْهِبَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا، وَفِيهِ نَدْبُ التَّأَلُّفِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَتَرْكُ مَا يُوقِعُ بَيْنَهُمُ الشَّحْنَاءَ وَيُورِثُ الْعُقُوقَ لِلْآبَاءِ، وَأَنَّ عَطِيَّةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حِجْرِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضٍ، وَأَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهَا مُغْنٍ عَنِ الْقَبْضِ، وَكَرَاهَةُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فِيمَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ، وَأَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْهِبَةِ مَشْرُوعٌ لَا وَاجِبٌ، وَجَوَازُ الْمَيْلِ إِلَى بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَالزَّوْجَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ لِيَحْكُمَ بِعِلْمِهِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ أَوْ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ بَعْضِ نُوَّابِهِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ اسْتِفْصَالِ الْحَاكِمِ وَالْمُفْتِي عَمَّا يَحْتَمِلُ الِاسْتِفْصَالَ; لِقَوْلِهِ: " «أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لَا أَشْهَدُ» ". فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ نَعَمْ، لَشَهِدَ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ التَّكَلُّمَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>