للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَسَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَبَّخَهُمْ فِي خُطْبَتِهِ بِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ اللَّهِ بِإِبْطَالِهِ ; إِذْ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْ بَيَانَ ذَلِكَ لَبَدَأَ بِبَيَانِ الْحُكْمِ فِي الْخُطْبَةِ لَا بِتَوْبِيخِ الْفَاعِلِ ; لِأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ: الْأَمْرُ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَعِيدِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْأَمْرُ وَبَاطِنُهُ النَّهْيُ كَقَوْلِهِ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠] (سورة فُصِّلَتْ: الْآيَةَ: ٤٠) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا كَانَ مَنِ اشْتَرَطَ خِلَافَ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَاصِيًا وَكَانَ فِي الْمَعَاصِي حُدُودٌ وَأَدَبٌ، كَانَ مِنْ أَدَبِ الْعَاصِينَ أَنْ تُعَطَّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطُهُمْ لِيَرْتَدِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيَرْتَدِعَ غَيْرُهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ أَيْسَرِ الْأَدَبِ، وَقِيلَ: مَعْنَى " اشْتَرِطِي " اتْرُكِي مُخَالَفَتَهُمْ فِيمَا شَرَطُوهُ وَلَا تُظْهِرِي نِزَاعَهُمْ فِيمَا طَلَبُوهُ مُرَاعَاةً لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّرْعِ إِلَيْهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ التَّرْكِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ: ١٠٢) أَيْ بِتَرْكِهِمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ إِبَاحَةَ الْإِضْرَارِ بِالسِّحْرِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إِلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَأَنَّ سَبَبَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَهُوَ كَفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَانَ خَاصًّا بِتِلْكَ الْحَجَّةِ مُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ إِذَا اسْتَلْزَمَ إِزَالَةَ أَشَدِّهِمَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَبِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ كَانَ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ، فَالْأَمْرُ بِقَوْلِهِ " اشْتَرِطِي " مُجَرَّدُ وَعْدٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ شَخْصًا أَنْ يَعِدَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَفِي بِذَلِكَ الْوَعْدِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ الْحُكْمُ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ فَوَقَعَ الْأَمْرُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ جَائِزًا فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ بِالْخُطْبَةِ. وَقَوْلُهُ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى بَعْدَهُ وَسِيَاقُ طُرُقِ الْحَدِيثِ تَدْفَعُ فِي وَجْهِ هَذَا الْجَوَابِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ، وَلَوْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ، وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَ وَلَائِهِ عَنْهُ أَوْ أَذِنَ فِي نَقْلِهِ عَنْهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لَمْ يَعْبَأْ بِاشْتِرَاطِهِمُ الْوَلَاءَ، وَقِيلَ: اشْتَرِطِي وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْعَقْدِ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ لَغْوِ الْكَلَامِ وَأَخَّرَ إِعْلَامَهُمْ لِيَكُونَ رَدُّهُ وَإِبْطَالُهُمْ قَوْلًا شَهِيرًا يُخْطَبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ظَاهِرًا، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّكِيرِ وَآكَدُ فِي التَّغْيِيرِ، انْتَهَى. وَهُوَ يُؤَوَّلُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ) خَطِيبًا (فَحَمِدَ اللَّهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>