للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نَزَلَ مَكَّةَ ثُمَّ الْيَمَنَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَثْبَتَ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ مَالِكٌ: ثِقَةٌ سَكَنَ مَكَّةَ وَقَدِمَ عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ وَلَهُ هَيْبَةٌ وَصَلَاحٌ، وَكَذَا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ مُسْلِمٍ) الْجَنَدِيِّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ الْيَمَانِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامُ (عَنْ طَاوُسِ) بْنِ كَيْسَانَ (الْيَمَانِيِّ) الثِّقَةِ الثَّبْتِ الْفَقِيهِ الْفَاضِلِ، يُقَالُ: اسْمُهُ ذَكْوَانُ وَطَاوُسٌ لَقَبٌ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ وَقِيلَ: بَعْدَهَا (أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ) أَيْ: جَمِيعُ الْأُمُورِ إِنَّمَا هِيَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ فَمَا قُدِّرَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، أَوِ الْمُرَادُ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ بِتَقْدِيرٍ مُحْكَمٍ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِنِظَامِ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى تَرْتِيبٍ.

(قَالَ طَاوُسٌ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) بْنَ الْخَطَّابِ (يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ» ) قَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى شَيْءٍ وَالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " كُلُّ " وَقَدْ تَكُونُ حَتَّى جَارَّةً وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِيهَا، وَالْعَجْزُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَالتَّسْوِيفُ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهُ، وَيُحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَمَلَ الطَّاعَاتِ، وَيُحْتَمَلَ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْكَيْسُ ضِدُّ الْعَجْزِ وَهُوَ النَّشَاطُ فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ، قَالَ: وَإِدْخَالُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَا قَدَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَقَضَى بِهِ وَأَرَادَهُ مِنْ خَلْقِهِ انْتَهَى وَهُوَ وَجِيهٌ.

لَكِنْ تَعَقَّبَ الْأَبِّيُّ تَفْسِيرَ الْعَجْزِ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ: يُصَيِّرُهُ عَدَمًا وَهُوَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ يَمْتَنِعُ مَعَهَا وُقُوعُ الْفِعْلِ الْمُمْكِنِ.

وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ أَنَّ " حَتَّى " حَرْفُ جَرٍّ بِمَعْنَى " إِلَى "، نَحْوَ: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: ٥] [سُورَةُ الْقَدْرِ: الْآيَةُ ٥] لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي الْغَايَةَ، إِذِ الْمُرَادُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَاكْتِسَابَهُمْ كُلَّهَا بِتَقْدِيرِ خَالِقِهِمْ حَتَّى الْكَيْسَ الْمُوصِلَ صَاحِبَهُ إِلَى الْبُغْيَةِ، وَالْعَجْزَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ بِهِ عَنْ دَرْكِهَا.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ مَا مِنْ شَيْءٍ يَقَعُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا وَسَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ، وَلِذَا أَتَى بِكُلِّ الَّتِي هِيَ لِلْعُمُومِ وَعَقَّبَهَا بِحَتَّى الَّتِي هِيَ لِلْغَايَةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْعَجْزِ وَالْكَيْسِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ أَفْعَالَنَا وَإِنْ كَانَتْ مُرَادَةً لَنَا فَهِيَ لَا تَقَعُ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠] [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: الْآيَةُ ٣٠] وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قُوبِلَ الْكَيْسُ بِالْعَجْزِ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُقَابِلَ الْحَقِيقِيَّ لِلْكَيْسِ الْبَلَادَةُ وَلِلْعَجْزِ الْقُوَّةُ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْأُسْلُوبِ تَقْيِيدُ كُلٍّ مِنَ اللَّفْظَيْنِ بِمَا يُضَادُّ الْآخَرَ، يَعْنِي: حَتَّى الْكَيْسِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَلَادَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُثْبِتُ الْقُدْرَةَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى مُطْلَقًا وَيَقُولُ أَفْعَالُ الْعِبَادِ مُسْنَدَةٌ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>