للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الْمَرْءَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الظَّامِي بِالْهَوَاجِرِ

ــ

١٦٧٥ - ١٦٢٥ - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي) أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْمَرْءَ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الرَّجُلَ وَالْمُرَادُ مِنْهُمَا الْإِنْسَانُ، وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الْمُؤْمِنَ ( «لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ» ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْخَلْقُ، أَيْ: بِالْفَتْحِ وَالْخُلُقُ، أَيْ: بِالضَّمِّ عِبَارَتَانِ عَنْ جُمْلَةِ الْإِنْسَانِ، فَالْخَلْقُ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَتِهِ الظَّاهِرَةِ، وَالْخُلُقُ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَتِهِ الْبَاطِنَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِالْخُلُقِ، أَيْ: بِالضَّمِّ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَاللِّينِ وَالشِّدَّةِ وَالسَّمَاحَةِ وَالِاسْتِقْصَاءِ وَالسَّخَاءِ وَالْبُخْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلِبَابِهَا فِي الْمَحْمُودِ وَالْمَذْمُومِ يَدُورُ عَلَى عِشْرِينَ خَصْلَةً.

(دَرَجَةَ) أَيْ: مِثْلَ دَرَجَةِ، أَيْ: مَنْزِلَةِ (الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ) أَيْ: الْمُتَهَجِّدِ (الظَّامِي بِالْهَوَاجِرِ) أَيِ الْعَطْشَانِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُمَا مُجَاهِدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي مُخَالَفَةِ حِفْظِهِمَا مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّوْمِ، وَالْقِيَامُ وَالصِّيَامُ يَمْنَعَانِ مِنْ ذَلِكَ، وَالنَّفْسُ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ بِالطَّعَامِ تَتَقَوَّى وَبِالنَّوْمِ تَنْمُو، وَمِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ فِي تَحَمُّلِ أَثْقَالِ مَسَاوِئِ أَخْلَاقِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ أَثْقَالَ غَيْرِهِ وَلَا يَحْمِلُ غَيْرُهُ أَثْقَالَهُ، وَهُوَ جِهَادٌ كَبِيرٌ، فَأَدْرَكَ مَا أَدْرَكَهُ الْقَائِمُ الصَّائِمُ فَاسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يُدْرِكُ دَرَجَةَ الْمُتَنَفِّلِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِصَبْرِهِ عَلَى الْأَذَى وَكَفِّهِ عَنْ أَذَى غَيْرِهِ وَالْمُقَارَضَةِ عَلَيْهِ؛ مَعَ سَلَامَةِ صَدْرِهِ مِنَ الْغِلِّ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا يَتِمُّ لِرَجُلٍ حُسْنُ خُلُقِهِ حَتَّى يَتِمَّ عَقْلُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتِمُّ إِيمَانُهُ وَيُطِيعُ رَبَّهُ وَيَعْصِي عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَالْحَاكِمِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثَلَاثَتُهُمْ مَرْفُوعًا بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>