للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَيْ بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ مِنَ الْمَالِ، أَوْ مَا يَعُمُّهُ وَغَيْرُهُ، كَبَذْلِ الْجَاهِ فِي مُعَاوَنَةِ النَّاسِ، وَالْبَدَنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهْجَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

(قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، ( «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبَرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ» ) - بِشَدِّ الْيَاءِ - (بَيْرُحَاءُ) خَبَرُ إِنَّ، ( «وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا» ) ، أَيْ خَيْرَهَا، (وَذُخْرَهَا) بِضَمِّ الذَّالِ، وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ أُقَدِّمُهَا فَأَدَّخِرُهَا لِأَجِدَهَا (عِنْدَ اللَّهِ) تَعَالَى.

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَمَّا أُنْزِلَتِ الْآيَةُ، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: «أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا فَأَسْتَشْهِدُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي جَعَلْتُ أَرْضِي بَيْرُحَاءَ لِلَّهِ، (فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ) » ، وَلِلتَّنِّيسِيِّ، وَالْقَعْنَبِيِّ: حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فَوَّضَ أَبُو طَلْحَةَ تَعْيِينَ مَصْرِفِهَا لَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

لَكِنْ لَا تَصْرِيحَ فِيهِ بِأَنَّهُ جَعَلَهَا وَقْفًا، وَلِذَا قِيلَ: لَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ لِشَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْوَقْفِ.

(قَالَ) أَنَسٌ: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَبَخْ) ، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَدْ تُنَوَّنُ مَعَ التَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ بِالْكَسْرِ وَبِالرَّفْعِ وَالسُّكُونِ، وَيَجُوزُ التَّنْوِينُ، لُغَاتٌ، وَلَوْ كُرِّرَتْ فَالْمُخْتَارُ تَنْوِينُ الْأُولَى، وَتَسْكِينُ الثَّانِيَةِ، وَمَعْنَاهُ تَفْخِيمُ الْأَمْرِ وَالْإِعْجَابُ بِهِ، قَالَهُ الْحَافِظُ: (ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ) مَرَّتَيْنِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَاهُ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٌ بِتَحْتِيَّةٍ وَجِيمٍ، أَيْ يَرُوحُ ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ، انْتَهَى.

وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، رَوَاهُ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٌ " رَابِحٌ " مِنَ الرِّبْحِ، أَيْ رَابِحٌ صَاحِبُهُ وَمُعْطِيهِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ بِتَحْتِيَّةٍ، أَيْ يَرُوحُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى عِنْدِي، انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ الدَّانِيِّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ، رَوَاهُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَرَوَاهُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ بِالشَّكِّ، انْتَهَى.

وَمَعْنَى رَابِحٍ - بِمُوَحَّدَةٍ -: ذُو رِبْحٍ كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ، أَيْ يَرْبَحُ صَاحِبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَالٌ مَرْبُوحٌ فِيهِ، وَمَعْنَاهُ بِتَحْتِيَّةٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الرَّوَاحِ نَقِيضُ الْغَدِ، وَأَنَّهُ قَرِيبُ الْفَائِدَةِ يَصِلُ نَفْعُهُ إِلَى صَاحِبِهِ كُلَّ رَوَاحٍ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِيهِ إِلَى مَشَقَّةٍ وَسَيْرٍ، أَوْ يَرُوحُ بِالْأَجْرِ، وَيَغْدُو بِهِ، وَاكْتَفَى بِالرَّوَاحِ عَنِ الْغُدُوِّ لِعِلْمِ السَّامِعِ، أَوْ مَنْ شَأْنُهُ الرَّوَاحُ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>