للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَوْنِ عَائِشَةَ أَعْلَمَ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلًا مِنْ غَيْرِهَا.

قَالَ الْحَافِظُ: وَظَهَرَ لِي أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَنَّ التَّهَجُّدَ وَالْوِتْرَ مُخْتَصٌّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفَرَائِضُ النَّهَارِ الظُّهْرُ وَهِيَ أَرْبَعٌ، وَالْعَصْرُ وَهِيَ أَرْبَعٌ، وَالْمَغْرِبُ وَهِيَ ثَلَاثٌ وِتْرُ النَّهَارِ، فَنَاسَبَ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ اللَّيْلِ كَصَلَاةِ النَّهَارِ فِي الْعَدَدِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا.

وَأَمَّا مُنَاسَبَةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَبِضَمِّ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِكَوْنِهَا نَهَارِيَّةً إِلَى مَا بَعْدَهَا انْتَهَى.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الصُّبْحَ نَهَارِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ ١٨٧) وَالْمَغْرِبَ لَيْلِيَّةٌ لِحَدِيثِ: " «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» " وَيُرَدُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ فَأَوْتِرُوا صَلَاةَ اللَّيْلِ» " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ، فَأُضِيفَتْ إِلَى النَّهَارِ لِوُقُوعِهَا عَقِبَهُ فَهِيَ نَهَارِيَّةٌ حُكْمًا لَيْلِيَّةٌ حَقِيقَةً كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا.

( «يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» ) أَيْ إِنَّهُنَّ فِي نِهَايَةٍ مِنْ كَمَالِ الْحُسْنِ وَالطُّولِ مُسْتَغْنِيَاتٌ بِظُهُورِ ذَلِكَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهُ.

(ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ) يَعْنِي أَرْبَعًا فِي الطُّولِ وَالْحُسْنِ وَتَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» " وَمُحَالٌ أَنْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ وَيَفْعَلَ خِلَافَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ فُقَهَاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْأَرْبَعَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سَلَامٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا جُلُوسٌ إِلَّا فِي آخِرِهَا وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» " ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ اهـ.

(ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا) يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ كَمَا فِي حَدِيثِهَا فَوْقَهُ وَالرَّكْعَتَانِ شَفْعٌ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ) بِفَاءِ الْعَطْفِ عَلَى السَّابِقِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الِاسْتِخْبَارِيِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْرِفِ النَّوْمَ قَبْلَ الْوِتْرِ لِأَنَّ أَبَاهَا كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يُوتِرَ وَكَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَكَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَهَا أَنْ لَا نَوْمَ قَبْلَ الْوِتْرِ فَأَجَابَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ (فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» ) لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا قَوِيَتْ حَيَاتُهُ لَا يَنَامُ إِذَا نَامَ الْبَدَنُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلَا تَنَامُ قُلُوبُنَا» " وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَلَوْ سُلِّطَ النَّوْمُ عَلَى قُلُوبِهِمْ كَانَتْ رُؤْيَاهُمْ كَرُؤْيَا مَنْ سِوَاهُمْ، وَلِذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ وَيُسْمَعَ غَطِيطُهُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ لِأَنَّ الْوُضُوءَ إِنَّمَا يَجِبُ بِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَى الْقَلْبِ لَا عَلَى الْعَيْنِ، وَلَا يُعَارِضُ نَوْمُهُ بِالْوَادِي لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>