للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- زيادته في المسجد النبوي (١) (سنة ٢٩ هـ/ ٦٥٠ م) :

كان المسجد النبوي على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مبنيَّاً باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً وزاد فيه عمراً وبناه على بنائه في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب.

وروى يحيى عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين، كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب. فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأجمعوا على أن يهدمه ⦗٣١⦘ ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأزيد فيه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "من بنى مسجداً بنى اللَّه له بيتاً في الجنة" (٢) ، وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه"، فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح، فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلاً يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالفضة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة ٢٩ هـ، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة ٣٠ فكان عمله عشرة أشهر.

قال الحافظ ابن حجر: كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور. وقيل: في آخر سنة من خلافته.

وروى يحيى عن أفلح بن حميد عن أبيه قال: لما أراد عثمان أن يكلم الناس على المنبر ويشاورهم قال له مروان بن الحكم (٣) : فداك أبي وأمي، هذا أمر خير لو فعلته ولم تذكر لهم، ⦗٣٢⦘ فقال: وبحك، إني أكره أن يروا أني أستبد عليهم بالأمور، قال مروان: فهل رأيت عمر حين بناه وزاد فيه ذكر لهم؟ قال: اسكت إن عمر اشتد عليهم فخافوه حتى لو أدخلهم في جحر ضب دخلوا، وإني لنت لهم، حتى أصبحت أخشاهم. قال مروان بن الحكم: فداك أبي وأمي لا يسمع هذا منك فيُجترأ عليك.

وقد جعل عثمان طول المسجد مائة وستين ذراعاً وعرضه مائة وخمسين.


(١) أوردها ابن كثير في عام ٢٦ هـ، والطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٠٦: "في عام ٢٩ هـ، وسَّع عثمان الحرم وبناه بالفضة - الكلس -"، وكما ذكر ابن كثير ذلك في البداية والنهاية في الجزء السابع، السيوطي تاريخ الخلفاء ص ١٢٤.
(٢) رواه مسلم في كتاب المساجد، باب: ٢٤، والترمذي في كتاب الصلاة، باب: ١٢٠، والبخاري في كتاب الصلاة، باب: من بنى مسجداً، وابن ماجه في كتاب الإقامة، باب: من بنى مسجداً، والدارمي في كتاب الصلاة، باب: من بنى مسجداً، وأحمد في (م ١/ص ٢٠) .
(٣) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو عبد الملك، المولود سنة ٢ هـ، خليفة أموي هو أوَّل من ملك من بني الحكم بن أبي العاص، وإليه ينسب بنو مروان، ودولتهم المروانية، ولد بمكة ونشأ بالطائف، سكن المدينة، فلما كانت أيام عثمان جعله خاصته واتخذه كاتباً له، ولما قتل عثمان خرج مروان إلى البصرة مع طلحة والزبير وعائشة، يطالبون بدمه، وقاتل مروان في وقعة الجمل قتالاً شديداً، وانهزم أصحابه فتوارى، شهد صفين مع معاوية، ثم أمنَّه علي فأتاه فبايعه، وانصرف إلى المدينة فأقام إلى أن ولي معاوية الخلافة، فولاه المدينة سنة (٤٢ هـ - ٤٩ هـ) ، أخرجه منها عبد اللَّه بن الزبير، فسكن الشام، ولما ولي يزيد بن معاوية الخلافة وثب أهل المدينة على من فيها من بني أمية فأجلُّوهم إلى الشام، وكان فيهم مروان، ثم عاد إلى المدينة، وحدثت فتن كان من أنصارها، وانتقل إلى الشام مدة، ثم سكن تدمر، وبعد اعتزال معاوية بن يزيد الخلافة، دعا مروان إلى نفسه، فبايعه أهل الأردن سنة ٦٤ هـ ودخل الشام فأحسن تدبيرها وولى ابنة عبد الملك على مصر بعد أن خرج لها بعد أن تفشَّت فيها البيعة لابن الزبير، ثم عاد إلى دمشق ولم يطل أمره، توفي سنة ٦٥ هـ بالطاعون. وقيل: غطَّته زوجته أم خالد بالوسادة وهو نائم، فقتلته. فدام حكمه تسعة أشهر و ١٨ يوماً، هو أوَّل من ضرب الدنانير الشامية وكتب عليها {قل هو اللَّه أحد} ، وكان يلقب: خَيْط باطل، لطول قامته واضطراب خَلْقِه. للاستزادة راجع: أسد الغابة ج ٤/ص ٣٤٨، التهذيب ج ١٠/ص ٩١، البدء والتاريخ ج ٦/ص ١٩، تاريخ الخميس ج ٢/ص ٣٠٦.

<<  <   >  >>