للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَاس من قُرَيْش لما يعلمُونَ من علو نسبه وَصدقه واجتهاده فِي دينهم، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى نذر إِن وفى لَهُ عشرَة من الْوَلَد أَن ينْحَر أحدهم، ثمَّ حفر حَتَّى أدْرك سيوفاً دفنت فِي زَمْزَم حِين دفنت، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش أَنه قد أدْرك السيوف قَالُوا: يَا عبد الْمطلب أجزنا مِمَّا وجدت. فَقَالَ عبد الْمطلب: هَذِه السيوف لبيت الله الْحَرَام. فحفر ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى انبط المَاء فِي الْقَرار ثمَّ بحرها حَتَّى لَا ينزف ثمَّ بنى عَلَيْهَا حوضاً، فَطَفِقَ هُوَ وَابْنه ينزعان فيملآن ذَلِك الْحَوْض فيشرب مِنْهُ الْحَاج، فيكسره نَاس من حسدة قُرَيْش بِاللَّيْلِ فَيُصْلِحهُ عبد الْمطلب حِين يصبح، فَلَمَّا أَكْثرُوا فَسَاده دَعَا عبد الْمطلب ربه فأري فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ: قل اللَّهُمَّ لَا أحلهَا لمغتسل، وَلَكِن هِيَ للشارب حل وبل ثمَّ كفيتهم، فَقَامَ عبد الْمطلب، فَنَادَى بِالَّذِي أرِي ثمَّ انْصَرف، فَلم يكن يفْسد حَوْضه ذَلِك عَلَيْهِ أحد من قُرَيْش إِلَّا رمي فِي جسده بداء حَتَّى تركُوا حَوْضه، ثمَّ تزوج عبد الْمطلب النِّسَاء فَولدت لَهُ عشرَة رَهْط، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي كنت نذرت لَك نحر أحدهم، وَإِنِّي أَقرع بَينهم فأصب بذلك من شِئْت فأقرع بَينهم فطارت الْقرعَة على عبد الله بن عبد الْمطلب وَكَانَ أحب وَلَده إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ عبد الله أحب إِلَيْك أم مائَة من الْإِبِل، ثمَّ أَقرع بَينه وَبَين الْمِائَة الْإِبِل فَكَانَت الْقرعَة على الْمِائَة من الْإِبِل فنحرها عبد الْمطلب. وَعَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ عبد الْمطلب: إِنِّي لنائم فِي الْحجر أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: احْفِرْ طيبَة. قَالَ: قلت: وَمَا طيبَة؟ قَالَ: ثمَّ ذهب عني فَرَجَعت إِلَى مضجعي فَنمت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ برة. قَالَ: قلت: وَمَا برة؟ ثمَّ ذهب عني فَلَمَّا كَانَ من الْغَد رجعت إِلَى مضجعي فَنمت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَم. قَالَ: قلت: وَمَا زَمْزَم؟ قَالَ: لَا تنزف وَلَا تذم تَسْقِي الحجيج الْأَعْظَم، وَهِي بَين الفرث وَالدَّم عِنْد نقرة الْغُرَاب الأعصم عِنْد قَرْيَة النَّمْل. قَالَ: فَلَمَّا أبان لَهُ شَأْنهَا وَدلّ على موضعهَا وَعرف أَنه قد صدق، غَدا بمعوله وَمَعَهُ ابْنه الْحَارِث بن عبد الْمطلب لَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ غَيره، فحفر فَلَمَّا بدا لعبد الْمطلب الطي كبّر، فَعرفت قُرَيْش أَنه قد أدْرك حَاجته، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا عبد الْمطلب إِنَّهَا بِئْر إِسْمَاعِيل وَإِن لنا فِيهَا حَقًا، فأشركنا مَعَك فِيهَا. فَقَالَ عبد الْمطلب: مَا أَنا بفاعل إِن هَذَا إِلَّا خصصت بِهِ دونكم وأعطيته من بَيْنكُم. قَالُوا: فأنصفنا فَإنَّا غير تاركيك حَتَّى نحاكمك. قَالَ: فاجعلوا بيني وَبَيْنكُم من شِئْتُم أحاكمكم إِلَيْهِ. قَالُوا: كاهنة بني سعد بن هذيم. قَالَ:

<<  <   >  >>