للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الْملك مثلك لَا يقبل على الْغَضَب وَلَا يقبل قَول الزُّور وَأَنت لَا تَسْتَطِيع أَن تخرب هَذِه الْقرْيَة. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لِأَنَّهَا مهَاجر نَبِي من ولد إِسْمَاعِيل يخرج من هَذِه البنية يَعْنِي الْبَيْت الْحَرَام فَكف تبع وَمضى إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ هَذَا الْيَهُودِيّ وَرجل آخر عَالم من الْيَهُود، فكسا الْبَيْت الْحَرَام كسْوَة وَنحر عِنْده سِتَّة آلَاف جزور وَأطْعم النَّاس، وَلم يزل بعد ذَلِك يحوط الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ويعظمها. ويروى أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لما حَملته الريخ من اصطخر على مَمَره بوادي النَّمْل سَار إِلَى الْيمن فتوغل فِي الْبَادِيَة فسلك مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: هَذِه دَار هِجْرَة نَبِي فِي آخر الزَّمَان طُوبَى لمن آمن بِهِ وَاتبعهُ. فَقَالَ لَهُ قوم: كم بَيْننَا وَبَين خُرُوجه؟ قَالَ: زهاء ألف عَام. ووادي النَّمْل هُوَ وَادي السديرة بِأَرْض الطَّائِف من أَرض الْحجاز. قَالَه كَعْب. وَقيل: هُوَ بِالشَّام. وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قدم من سفر فَنظر إِلَى جدران الْمَدِينَة أوضع رَاحِلَته، وَإِن كَانَ على دَابَّة حركها. وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: يُوشك أَن يضْرب النَّاس أكباد الْإِبِل يطْلبُونَ الْعلم فَلَا يَجدونَ أحدا أعلم من عَالم الْمَدِينَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. روى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ: هُوَ مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ. وَعَن عبد الرَّزَّاق أَنه قَالَ: هُوَ الْعمريّ الزَّاهِد. قَالَ التوربشتي فِي " شرح المصابيح ": وَمَا ذكره ابْن عُيَيْنَة، وَعبد الرَّزَّاق فَهُوَ مَحْمُول مِنْهُمَا على غَلَبَة الظَّن دون الْقطع بِهِ، وَقد كَانَ مَالك رَحمَه الله حَقِيقا بِهَذَا الظَّن فَإِنَّهُ كَانَ إِمَام دَار الْهِجْرَة والمرجوع بهَا إِلَيْهِ فِي علم الْفتيا، وَكَذَا الْعمريّ الزَّاهِد وَهُوَ عبد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَقد كَانَ الشَّيْخ وَحده وَكَانَ من عباد الله الصَّالِحين الْمَشَّائِينَ فِي عباده وبلاده بِالنَّصِيحَةِ، وَلَقَد بلغنَا أَنه كَانَ يخرج إِلَى الْبَادِيَة؛ ليتفقد أَحْوَال أَهلهَا شَفَقَة مِنْهُ عَلَيْهِم أَو ألحق النَّصِيحَة فيهم فيأمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر، وَكَانَ يَقُول لعلماء الْمَدِينَة: شغلكم طلب الجاه وَحب الرياسة عَن تَوْفِيَة الْعلم حَقه فِي إخْوَانكُمْ من الْمُسلمين، تركتموهم فِي الْبَوَادِي والفلوات يعمهون فِي أَوديَة الْجَهْل ومتيهة الضلال، أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ. قَالَ التوربشتي: وَلَو جَازَ لنا أَن نتجاوز الظَّن فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة لَكَانَ قَوْلنَا إِنَّه

<<  <   >  >>