للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم أر عزَّاً لامرئٍ كعشيرةٍ ... ولم أر ذلاً نأيٍ عن الأهل

ولم أر من عدمٍ أضَّر على الفتى ... إذا عاش بين النَّاس من عدم العقل

وقال آخر:

الفقر يزري بأقوامٍ ذوي حسبٍ ... وقد يسوِّد غير السَّيِّد المال

وقال محمود الوراق:

أرى دهرنا فيه عجائب جمَّةٌ ... إذا استعرضت بالعقل ضلَّ لها العقل

أرى كلَّ ذي مالٍ يسود بماله ... وإن كان لا أصلٌ هناك ولا فصل

وآخر منسوباً إلى الرَّأي خاملاً ... وأنوك مخبولاً له الجاه والنُّبل

وما الفضل في هذا الزمان لأهله ... ولكنَّ ذا المال الكثير له الفضل

فشرِّف ذوي الأموال حيث لقيتهم ... فقولهم قولٌ وفعلهم فعل

ومما ينسب إلى محمود، وأظنها لغيره وهو أبو عبد الرحمن العطوي:

دع الرِّياء لمن لجّ الرِّياء به ... في الأمر بالبذل واذكر ذلَّة العدم

ومت على الدِّرهم المنقوش موت فتىً ... رأى الممات عليه أكرم الكرم

وعدِّ عن ذا وعن هذا وقولهم ... الذكر يبقى وتفنى لذَّة النِّعم

لولا غناك لكنت الكلب عندهم ... فإن أبيت فجرِّب واشق بالنَّدم

وقال أبو العتاهية:

والنَّاس حيث يكون المال والجاه

[باب جامع القول في الغنى والفقر]

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: " ارض بما قسم الله لك تكن أغنى النَّاس، واعمل بما افترض الله عليك تكن أعبد النَّاس، واجتنب ما حرَّم الله عليك تكن أورع النّاس ".

وقال عليه السلام: " ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النَّفس ".

وفي الحديث المرفوع: " الفقر أزين للمؤمن من الغدار، وعلى خدِّ الفرس ".

وقد أتينا معنى الفقروالغنى، والمقدار المحمود في ذلك عند العلماء بدلائل السنن، وأقاويل السلف، بما فيه كفايةٌ وتبصرة وشفاءٌ لما في الصدور في موضعه من كتاب " بيان العلم " والحمد لله.

قال أوس بن حارثة: خير الغنى القناعة، وشرُّ الفقر الضَّراعة.

قال فضيل بن عياض: إنما الفقر والغنى بعد العرض على الله.

أنشدنا الرياشي:

ما شقوة المرء بالإقتار تقتره ... ولا سعادته يوماً بإكثار

إنَّ الشَّقيَّ الذي في النَّار منزله ... والفوز فوز الذي ينجو من النَّار

قال جعفر بن محمد: العز والغنى يجولان في الأرض، فإذا أصابا موضعاً يدخله التَّوكُّل أوطناه.

كان يقال: الشكر زينة الغنى، والعفاف زينة الفقر.

وقالوا: حقُّ الله واجب في الغنى والفقر، ففي الغنى العطف والشكر، وفي الفقر العفاف والصبر.

كان يقال: سوء حمل الغنى يورث مقتاً، وسوء حمل الفاقة يضع شرفاً.

كان يقال: الغنى في النفس، والشرف في التواضع، والكرم في التقوى.

أنشدنا الرياشي:

وبينا الفتى في الفقر إذ صار في الغنى ... وبينا الفتى في البؤس إذ صار في الخفض

كذاك صروف الدَّهر تلعب بالفتى ... فنبرم أحياناً وتسرع في النَّقض

وقال آخر:

قد أنطقت الدَّراهم بعد عيٍّ ... أناساً طالما كانوا سكوتا

فما عادوا على جارٍ بخيرٍ ... ولا رفعوا لمكرمةٍ بيوتاً

كذاك المال ينطق كلَّ عيٍّ ... ويترك كلَّ ذي حسبٍ صموتا

وقال آخر:

نطقت مذ استفدت المال حتَّى ... كأنَّك عالمٌ ذلق اللِّسان

وشجَّعك الَّذي قد كان قدماً ... يسمِّيك الجبان ابن الجبان

وقال محمود الوراق:

الفقر في النَّفس وفيها الغنى ... وفي غنى النَّفس الغنى الأكبر

وقال حماد الراوية: أفضل بيت من الشعر قيل في الأمثال:

يقولون يستغني ووالله ما الغنى ... من المال إلاَّ ما يعفُّ وما يكفي

ولمحمود الوراق أيضاً:

صاحب اليسر يرقب العسر والمع ... سر في دهره يراقب يسرا

ليس خلقٌ له على الله حقٌ ... إنَّما حقُّه على النَّاس طرَّا

لا يحابي الغنيَّ فيما أتاه ... لا ولا يظلم الذي مات فقرا

<<  <   >  >>