للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريدون: بباقية. وهو كثير في أشعار الطائيين. وربما وجد في أشعار غيرهم من العرب، وقد كان جاورهم " امرؤ القيس " فجاء بشيء من هذه اللغة كقوله:

غيرَ باناةٍ على وَترهْ

أي غير بانية. وكقوله:

لها مَتْنانِ خَظاتَا كما ... أَكبَّ على ساعِديه النَّمِرْ

يريد: خظيتا، فقلب الياء ألفاً. هذا رأي أهل البصرة من أصحاب النظر.

وقال بعض الناس: أراد، خظاتان بالنون، وهو تثنية خظاة كما قال آخر:

متنانِ خظاتانِ ... كزُحلوفٍ من الهَضْبِ

فحذب نون التثنية للضرورة.

ولا تذهبن في قولي: سحرك ساحر لا يأثم فيك؛ إلى أني عينت السحر المنهى عنه، وإنما عنيت بالساحر الذي يصيب سحرك أي رئتك، يقال: سحره فهو مسحور.

وما تأولت في قولي: ولا حمل فوق ظهرك الملح؟ هل عرض لك أني عنيت الملح المعروفة فقلت في نفسك: شهد الله ما أحفل أحمل فوق ظهري بر أم تمر أم ملح وكل ذلك سواء علي؟ وإنما أردت بالملح الشحم، وهو أحد ما قيل في قول " مسكين الدارمي ":

أَصبحت جارتُنا مُهتاجَةً ... قرِمَتْ بل هي وحْمَى للصِخَبْ

أَصبحتْ تثقلُ في شحمْ الذُّرَى ... وتعدُّ القَولَ دُرّاً يُنتَهب

لا تَلُمْها إِنها زِنْجِيَّةٌ ... مِلْحُها موضوعةٌ فوقَ الرُّكَبْ

فقال قوم: أراد الشحم لأن سمن الزنج في أفخاذها وأوراكها. وقال آخرون: إنما هو من قولهم: ملحه فوق ركبته، إذا وصف بالغدر وقلة الوفاء.

والعجب كله عندك من قولي: أخطأت أرضك مصيبة سوداء.

أظننت أني دعوت لك بإخطاء الشدائد بلادك؟ وإنما عنيت بالمصيبة السحابة، يقال: أصابنا مطر وأصابتنا سحابة.

وهل ظننت أني أخطأت في قولي: ولا سمعت صوت المرتجز؛ فقلت: قد قال في أول كلامه: وحديت بالرجز، فما أرد بقوله: ولا سمعت صوت المرتجز؟ وإنما عنيت ارتجاز السحاب بالرعد، يقال: ارتجز السحاب فهو مرتجز، وكأه شبه بصوت الراجز، قال " الهذلي ":

سقى الرحمنُ حَزْمَ يُنابِعاتِ ... من الجوزاءِ أَنواءً غِرارَا

بِمرتجزِ كأَنَّ على ذُراه ... رِكابَ الشامِ يَخمِلْنَ البُهارا

ويفضي الله سبحانه أن ترد الضبع، وذلك بأغباش السحر، - لأن الشاحج إذا صخدت الهاجرة وصاف الزمان بات يدأب فيما هو فيه فتقول، إن قضي الله: " السلام عليك أيها الشاحج، إن لما تسأل جهة ومنفذا، وفي نفسي سؤال كنت أريد أن أسأل عنه بعض العلماء، وقد سمعت مخاطبتك للجمل فدلتني على فهمك ومعرفتك، وقد عزمت أن أسألك مسترشدة فأخبرني بما عندك أسع لك فيما تحب إن شاء الله.

وقد علم الشاحج أنها من أحمق البهائم، فيقد الله سبحانه أن ينطقه فيقول: هلمي لله أبوك. فتقول: لي ثلاث كنى متجانسات في اللفظ: أم عامر وهي المشهورة، وأم عويمر، وأم عمرو، قال الراجز:

يا أمَّ عمرو أَبشِري بالبشرى

موتٌ ذريع وجَرَادٌ عَظْلَى

وقال " قيس بن عيزارة ":

فإِنكَ إِذ تحدوكَ أمُّ عويمرٍ ... لَذو رَجْلةٍ حافٍ مع القومِ ظالعُ

فأخبرني أصلحك الله، أإياي عني القائل بقوله؟:

نَصُدُّ الكأسَ عنا أمُّ عمرٍو ... وكان الكأسُ مَجراها اليمينا

فيعجب الشاحج من حمقها ويقول متهزئاً: وهل عني غيرك؟ وإياك عني " جرير " بقوله:

يا أمَّ عمرٍو جزاكِ اللهُ مغفرةً ... رُدِّي عليَّ فؤادي كالذي كانا

وكل ما تسمعينه في الشعر الغزل من أم عمرو وأم عامر، فإياك عني به الشاعر، إذ ليس في الأرض بهيمة أحسن منك، لا سيما مشيك، ألم تسمعي قول الشاعر فيك؟

غَرَّاءُ فَرْعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها ... تمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجى الوَحِلُ

كأَن مِشيتَها من بيتِ جارتِها ... مرُّ السحابة لا ريثٌ ولا عجَلُ

فيسمع الجمل ذرء قوله فيقول: يا جعار، كم لحق بك من عار! إنك لبغي أتلي، هل لك في رجال قتلى؟ إن هذا الكذاب يهزأ بك وأنت لا تشعرين.

فتقول: أحسبك صادقاً أبا أيوب، لقد سمعت هذه الأبيات، وهي في امرأة يقال لها " هريرة ":

[فيقول الشاحج]

أنشدك الله هل تعلمين أنك تهرين عند المطعم؟ فتقول: اللهم نعم.

فيقول: أنت هريرة لا محالة!.

<<  <   >  >>