للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتقول: الآن علمت صدقك وتحامل أبي أيوب عليك. ولي صديق من كلاب " حلب " حرسها الله، يخرج إلي في الليالي المقمرة، وبينه وبين بعض كلاب الصيد مودة. فألق إلي ما تريد، ألقه إلى الكلب الحلبي، يلقه الكلب إلى صديقه من الكلاب الصائدة، يلقه ذلك إلى البازي فيبلغ لك ما في نفسك.

فيقول: جزيت خيراً. إن إسنادك لبعيد، وقد يئست من بلوغ الأمنية واليأس إحدى الراحتين، وصبرت على أمر الله لأني سمعت في الكتاب الكريم: " واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ".

ويجيء الثعلب وارداً، فيقول وقد كان بلغه ما في نفس الشاحج: السلام عليك، إن لك معي بشارة، وذلك أني صحبت في بعض الطرق رجلاً من الشركاء في هذا القراح، فسمعته يحدث رفاقه أنه قد عزم على تضمينه لأن الفائدة عدمت فيه إلا للمباشر عمله بنفسه.

فيقدر الله سبحانه على أن ينطق الشاحج فيقول: ما لخالقك من غالب، فبورك صباح الثعالب. ما زلت ميموناً من رهط ميامين، فعمر بك ناديك، ولا فقد خيراً واديك؛ وسكنت في أرض كثيرة الوجر والدحال، ييأس الكلب الصائد أن يصل بها إليك، ومنعك فيها الضراء والأشب من أن يطمع فيك جارح من الطير؛ وساعفتك الثرملة، ولا نأت عن وجارك سملة؛ ومرت بفنائك الرطانة وقد نهق منها بعير بل وقص، فتركوه في أرضك لتأنق في غريض من اللحم مصيفك، وتدخر للشتاء ما شئت؛ وغفل عنك حافظ المكثوءة حتى تلج وأنت آمنت فتصيب من القشعر والحدج ما تريد؛ ورقد ناطور الجنة عنك حتى تمكن في رأد نهارك من وفر وين كدوارع المدام وملاحي القرطة في آذان الكواعب ذوات الخدام ولو قبلت كلاب المصر وصيتي لأوصيت لك بأطيب بضعة مني، لا بل بالثلث من لحمي ولكنها جشعة حريصة لا تقبل وصاتي. وأما الضبع فأكره أن تصيب مني شيئاً لأنها حمقاء مومسة، لا آمن أن تطعم بضيعي سلقاً يعرض لها بالعهار، لأنها إحدى المومسات. وكأني بها تزاحم الكلاب على أوصالي.

وإن فعلت ذلك فقبلي ما خشيها فتيان القوم، قال " مالك بن نويرة ":

لَهْفَاهُ من عَرْفَاءَ ذاتِ فَليلةٍ ... تأتي إِليَّ على ثلاثٍ تَخْمَعُ

وتظَلُّ تَنْشُطني وتُلحِمُ أَجرَياً ... وسْطَ العرينِ وليس حَيٌّ يدفَعُ

لو كان سَيفي باليَمينِ ضَربتُها ... عني ولم أُؤكلْ وجَنْبي الأَضيعُ

هذا الضَّيَاعُ فإِنْ حَزْزْتُ بِمُديةٍ ... كَفِّي فقُولي هَيِّنٌ ما تصنع

وقال آخر:

وجاءَت جَيْأَلٌ وأَبو بَنيها ... أَحمَّ الماقِيَين له خُمَاعُ

بِلَيلِ يَنْبُشَانِ التُّرْبَ عني ... وما أَنا ويبَ غيركِ والضباعُ

فبينما الشاحج يناجي الضابح، سمعاً لجة في المصر

[فيقول الشاحج]

ألا تعلم لنا الخبر يا ثعال؟ فمضي ثعالة مبادراً، ثم لا يلبث أن يعود فيقول: العامة يخبرون أن زعيم الروم قد نهد إلى أرض المسلمين.

<<  <   >  >>