للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنني في الصلاة أحضرها ... ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا

أقعد في سجدةٍ إذا ركعوا ... وأرفع الرأس إن هم سجدوا

أسجد والقوم راكعون معاً ... وأسرع الوثب إن هم قعدوا

فلست أدري إذا إمامهم ... سلّم كم كان ذلك العدد

ولآخر:

نعم الفتى لو كان يعرف ربه ... ويقيم وقت صلاته حمّاد

عدلت مشافره الدنان وأنفه ... مثل القدوم يسنه الحداد

وابيض من شرب المدامة وجهه ... فبياضه يوم الحساب سواد

ولآخر:

إن قرأ العاديات في رجب ... فليس يأتي بها إلى رجب

بل هو لا يستطيع في سنةٍ ... يختم تبّت يدا أبي لهب

[محاسن صفة الدنيا]

قال علي بن أبي طالب: الدنيا دار صدقٍ لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنىً لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها ونعت نفسها فشوّقت بسرورها إلى السرور ببلائها إلى البلاء تخويفاً وتحذيراً وترغيباً وترهيباً، فأيها الذام للدنيا والمتعلل بتغريرها متى غرتك، أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمهاتك في الثرى؟ كم عللت بكفيك وكم مرّضت بيديك تبتغي لهم الشفاء وتستوصف لهم الأطباء وتلتمس لهم الدواء لم ينفعهم تطلّبك ذلك ولم يشفهم دواؤك! مثلت لك الدنيا مصرعك ومضجعك حيث لا ينفعك بكاؤك ولا يغني عنك أحباؤك، ثم وقف على أهل القبور فقال: يا أهل الثروة والعز إن الأزواج بعدكم قد نُكحت والأموال قد قُسمت والدور قد سُكنت، فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما والله لو أذن لهم لقالوا: إن خير الزاد التقوى.

وفي خبرٍ أن علياً وقف على المقابر ثم قال: اعتبروا بأهل الديار التي طُبِّق بالخراب فناؤها وشيد في التراب بناؤها، فمحلها مقترب وساكنها مغترب، لا يتزاورون تزاور الإخوان ولا يتواصلون تواصل الجيران، قد طحنهم بكلكله البلى وأكلتهم الجنادل والثرى. ثم قال: إن الأزواج بعدكم قد نُكحت، إلى آخر الخبر.

[مساوئ صفة الدنيا]

قال الحسن البصري: بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بعجوز متعبدة، فقلت: من أنت؟ فقالت: من بنات ملوك غسان. قلت: فمن أين طعامك؟ قالت: إذا كان آخر النهار في كل يوم تجيئني امرأة متزينة فتضع بين يدي كوزاً من ماء ورغيفين. قلت لها: أتعرفين المرأة؟ قالت: اللهم لا. قلت: هذه الدنيا خدمت ربك جل وعز فبعث إليك بالدنيا فخدمتك على رغم أنفها.

وزعموا أن زياد ابن أبيه مرّ بالحيرة فنظر إلى دير هناك فقال لحاجبه: ما هذا؟ قال: دير حرقة بنت النعمان بن المنذر. فقال: ميلوا بنا إليها نسمع كلامها. فجاءت إلى وراء الباب فكلمها الخادم فقال لها: كلمي الأمير.

فقالت: أوجز أم أطيل؟ قال: بل أوجزي. قالت: كنا أهل بيتٍ طلعت الشمس وما على الأرض أعزّ منا فما عابت تلك الشمس حتى رحمنا عدونا.

قال: فأمر لها بأوساق من شعير. فقالت: أطعمتك يدٌ شبعى جاعت ولا أطعمتك يدٌ جوعى شبعت. فسّر زياد بكلامها وقال لشاعر: قيد هذا الكلام لا يدرس. فقال:

سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل ... فتىً ذاق طعم الخير منذ قريب

وفي مثل هذا قول أعرابي وقد دعا لرجل برّه: مسّتك يدٌ أصابت فقراً بعد غنىً ولا مسّتك يدٌ أصابت غنىً بعد فقر.

ويقال: إن فروة بن إياس بن قبيصة انتهى إلى دير حرقة بنت النعمان فألفاها وهي تبكي. فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما من دار امتلأت سروراً إلا امتلأت ثبوراً، ثم قالت:

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقةٌ نتقسم

وقالت:

فأفٍّ لدنيا لا يدوم نعيمها ... وأفٍّ لعيشٍ لا يزال يُهضّم

قال: وقالت حرقة بنت النعمان لسعد بن أبي وقاص: لا جعل الله لك إلى لئيم حاجة وعقد لك المنن في أعناق الكرام، ولا أزال بك عن كريم نعمةً، ولا أزالها بغيرك إلا جعلها السبب لردها عليه.

<<  <   >  >>