للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هل هو إلا باسطٌ كفه ... يستطعم الوارد والصادرا

قال: ولما قال الهذيل الأشجعي في عبد الملك بن مروان:

إذا ذاتُ دلٍّ كلمته بحاجةٍ ... فهمّ بأن تقضى تنحنح أو سعل

قال عبد الملك: أخزاه الله! فلربما جاءتني السعلة والنحنحة وأنا وحدي في المتوضأ فأذكر قوله فأردها.

قال: ولما قال الشاعر في شهر بن حوشب:

لقد باع شهرٌ دينه بخريطةٍ ... فمن يأمن القرّاء بعدك يا شهر

فحلف لا يمس خريطة حتى مات.

وقال كعب بن جعيل: مكثت دهراً أهجو الناس ولا أُهجى حتى انبرى لي غلام من تغلب فقال:

تسميت كعباً بشرّ العظام ... وكان أبوك يسمّى الجعل

وأنت مكانك من وائلٍ ... مكان القراد من است الجمل

فما رفعت رأسي حتى الساعة.

[ذكر من كره الشعر]

قال إسحاق بن سليمان الهاشمي. دخلت على المنصور يوماً والإيوان قد غصّ بأهله، فقال: بلغني أنك تقول الشعر. قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فأنشدني شيئاً منه. فأنشدته قصيدة طويلة فيها مدح له. فلما فرغت قال: يا بني مالك وللمديح إياك وإياه واحذر الهجاء فإنهما لا يشبهانك وعليك من الشعر بالبيتين والثلاثة تقول ذلك تطرباً وتذكر فيه فضلاً وتحبباً.

قال: وقال معاوية بن أبي سفيان لعبد الرحمن بن الحكم: يا ابن أخي إنك قد لهجت بالشعر فإياك والتشبيب فتهجن به كريماً والهجاء فتثير به لئيماً، وإياك والمدح فإنه كسب الخسيس، ولكن افخر بمآثر قومك وقل من الأمثال ما تزين به نفسك وتؤدب به غيرك، فإن لم تجد بداً من المديح فقل كما قال الأول:

أحللت رحلي في بني ثعل ... إن الكريم للكريم مَحَل

قيل: وسئل رجل عن الشعر فقال: أسرى مروءة الدني وأدنى مروءة السريّ.

[في ذم الشعر]

قال الأصمعي: أنشد رجلٌ بشاراً العقيلي بيت الطرماح:

فما للنوى لا بارك الله في النوى ... وهمٌّ لنا منها كهمّ المباين

فقال: إن هذا البيت لو وثبت عليه الشاة لأكلته، يعني إعادته النوى في البيت مرتين، فقلت: صدق بشار، إعادة الأسماء في بيت أكثر من مرة عِيّ.

قال: وكتب محمد بن أبي عون إلى محمد بن عبد الله بن طاهر:

قد بعثنا بزهرة البستان ... بكر ما قد أتى من الريحان

ياسميناً ونرجساً قد بعثنا ... وبعثنا بسوسن البستان

فقرأهما محمد وقال: ثلاث مرات قد. وكتب إليه:

عون دقَّ الإله من فيك أدنا ... هـ وأقصاه يا عيي اللسان

حشو بيتيك فيه قدٌّ وقدٌّ ... قدك الله بالحسام اليماني

[ومنه مضاحيك الشعر]

قيل: دخل رجل على الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين إني هجوت الروافض.

قال: هات، فقال:

شمساً ورغماً وزيتوناً ومظلمةً ... من أن ينالوا من الشيخين طغيانا

فقال: فسّر. قال: يا أمير المؤمنين أنت في مائة ألف أنت في مائة ألف لا تفهم هذا أفأفهمه وأنا وحدي! فضحك وأمر له بصلة.

الحمدوني قال: أتاني رجل فقال: قلت شعراً أحبّ أن أعرضه عليك، فقلت: هات. فقال:

إن لي حباً شديداً ... ليس ينحيه الفرار

فقلت: نعم هو شعر. فقال:

إن من أفلت منه ... لابسٌ ثوب المخازي

فقلت: ذاك راء وهذا زاي! قال: لا تنقطه. فقلت: فهبني لم أنقطه ذاك مرفوع وهذا مخفوض! قال: يا أحمق أنا أقول لا تنقطه وأنت تعجمه.

قال: وجاء رجل إلى حاجب إبراهيم بن إسماعيل عامل المدينة فقال: أدخلني عليه فإني قد مدحته ولك نصف ما يصلني منه. فقال: أنشدني ما قلت فيه. فقال: لا أفعل. قال: لا أدخلك. قال: فإني أنشدك. قال: هات. قال قلت:

كاد الأمير على تكرّمه ... أن لا يكون لأمه بظر

فقال الحاجب: يا عاض بظر أمه كان يعطيك ستمائة سوط لي منها ثلاثمائة! امض إلى حرق الله وناره.

[محاسن المخاطبات]

قال: ذكروا أن ابن القرية دخل على عبد الملك بن مروان، فبينا هو عنده إذ دخل بنو عبد الملك عليه، فقال: من هؤلاء الفتية يا أمير المؤمنين؟ قال: ولد أمير المؤمنين. قال: بارك الله لك فيهم كما بورك لأبيك فيك وبارك لهم فيك كما بورك لك في أبيك. فحشا فاه دراً.

<<  <   >  >>