للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخبرنا ابن أبي السرح أن الحجاج أغزى جيشاً فظفروا وأن صاحب جيشه كتب إليه: الحمد لله الذي جعل لأوليائه أمام نصره موعداً قوّى به قلوبهم وقدم إلى أعدائه بين يدي خذلانه إياهم وعيداً أرعب به مفاصلهم وزعزع معه قلوبهم.

فلما بلغ هذا الموضع طوى ما كان نشره من الكتاب ولم يقرأ ما بعده ثم التفت إلى الرسول فقال: غيّرنا هذا الكلام المبتدأ به، إن العدو ولّى من غير حرب! فقال: صدق الأمير صدّق الله ظنه وأصاب أصاب الله رأيه.

قال: وكتب مروان بن محمد إلى عبد الله بن علي يوصيه بحرمة، فكتب إليه عبد الله: يا مائق إن الحق لنا في دمك والحق علينا في حرمك.

وكتب علي، رضوان الله عليه، إلى زياد ابن أبيه: لئن بلغتني عنك خيانة لأشدنّ عليك شدة أدعك فيها قليل الوفر ثقيل الظهر.

قال: وكتب رجل إلى أبي مسلم حين خرج: أحسن الله لك الصحبة وعصمك بالتقوى وألهمك التوفيق، إن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء والعاقبة للمتقين، فسر فيها راغباً إلى الله ورسوله والرضى من هذه الأمة بالكتاب والسنة.

واعلم أن التقوى أسّ ما تبني عليه أمرك، فإن ضعف الأساس تداعى البنيان ودخل الأعداء من كل مكان، فتألف الأعلام من الرجال وسرواتهم وتصفّح عقولهم ومروءاتهم، فكلما ارتضيت رجلاً ففره عن عزائم رأيه واصرف نظرك إلى تصرّف حاله، وإن وجدته على خلاف ما أنت عليه فلا تعجل بإلقاء أمرك إليه فتدخل الوحشة منك والنفور عنك، لكن اقرعه بالحجة في رفق وسقه إلى شرك المحجة في لين حتى يتكشف لك ثوب الظلمة عن النور وتظهر لك وجوه الأمور، فإنه سيكثر أعوانك على الحق ويسهل لك منهاج الطرق. فإذا كثرت العدة من أصحابك وأمكنتك الشدة على أعدائك فحارب الفئة الباغية والأئمة الطاغية الذين أباحوا حمى المسلمين وأجروا عليهم أحكام الفاسقين وقادوهم بجرائر المهن واستذلوهم في البر والبحر.

واعلم أن من عرف الله جل وعز لم ير لأهل البغي جماعة ولا لأئمة الضلالة طاعة. وكلما غلبت على بلدة فامسك عن القتل وأظهر في أهله العدل لتسكن إليك النفوس ويثوب نحوك الناس وينتشر فعلك في الخاصة والعامة فتستدعي أهواءها وتستميل آراءها وتهش إليك من الآفاق نفوس عرانين الكرم ومصابيح الظلَم من ذوي الأحساب الكريمة والبيوت القديمة التي شرفها الإسلام وزينها الإيمان لتزرع بذلك لك المحبة في قلوب العباد ويكونوا لك دواعي في نواحي البلاد. تمم الله لك أمرك وأعلى كعبك.

قال: ولما استقامت المملكة لأبرويز وانقضى ما بينه وبين بهرام جوبين أمر أن تكتب تلك الحروب والوقائع إلى منتهاها ففعلت الكتبة ذلك وعرضته على أبرويز فلم يرض صدره. فقال غلام من أولاد الكتّاب: إن أمر الملك كتبت صدره. فقال: شأنك.

فتناول القلم وكتب: إن الدهر لم يخل في تارات عقبه وتصرفه ووجوه تنقله في حالات من العجائب ولم تنصرم فيه فنونها على طول مداه ولم يزل في تقلب عصريه وصفحات أزمنته وطبقات أحايينه تحدث فيه جلائل الأمور وغرائب الأنباء وتنجم فيه قرون وتعقب فيه أعقاب بعد أسلاف وتعفو آثار، وله في تلونه تصريف أنباء معجبة وأحاديث فيها معتبر وعظة ومختبر، ومن أعاجيب ذلك أمر بهرام بن بهرام ولقبه جوبين، فعرضه على أبرويز فأعجبه ذلك وأمر برفع درجته وتقديمه وتعظيمه.

[مساوئ المكاتبات]

قال الجاحظ: كتب ابن المراكبي إلى بعض ملوك بغداد: جعلت فداك برحمته.

وقرأت على عنوان كتاب لأبي الحسين السمّري: للموت أنا قبله. وقرأت أيضاً على عنوان كتاب: إلى ذاك الذي كتب إليّ.

وكتب بعضهم إلى ابن له عليل: يا بني اكتب إليّ بما تشتهي. فكتب إليه: أشتهي قلنسوة. فكتب إليه: إنما سألتك أن تخبرني بما تشتهي من الغداء.

فكتب إليه: أشتهي دهن خل وزيت. فكتب إليه: أنزل الله عليك الموت فإنك ثقيل! قال: ونقش بشر بن عبد الله على خاتمه: بشر بن عبد الله بالرحمن لا يشرك. فقال أبوه: هذا والله أقبح من الشرك!

[محاسن الخطب]

قال: خطب خالد بن صفوان خطبة نكاح فقال: الحمد لله جامعاً للحمد كله وصلى الله على محمد وآله. أما بعد فقد قلتم ما سمعنا وبذلتم فقبلنا وخطبتم فأنكحنا فبارك الله لنا ولكم.

<<  <   >  >>