للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النتن حملت نتناً، وإذا مرّت على الطيب حملت طيباً.

وقال شيخ من الأعراب: عاشروا الناس معاشرةً إن عشتم حنوا إليكم وإن متم بكوا عليكم. وقيل في ذلك:

قد يمكث الناس حيناً ليس بينهم ... ودٌّ فيزرعه التسليم واللطف

يسلي الشقيقين طول النأي بينهما ... وتلتقي شعبٌ شتّى فتأتلف

وقال آخر:

كم إخوةٍ لك لم يلدك أبوهم ... وكأنما آباؤهم ولدوكا

وأقاربٍ لو أبصروك معلّقاً ... بنياط قلبك ما رُؤوا رحموكا

وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، لابنه الحسن، صلوات الله عليه: ابذل لصديقك كلّ المودة ولا تطمئنّ إليه كل الطمأنينة، وأعطه كل المؤاساة ولا تُفض إليه بكل الأسرار.

وقال العباس بن جرير: المودة تعاطف القلوب وائتلاف الأرواح وأنس النفوس ووحشة الأشخاص عند تنائي اللقاء وظهور السرور بكثرة التزاور، وعلى حسب مشاكلة الجواهر يكون الاتفاق في الخصال.

وكتب بعض الكتّاب: إن فلاناً أولاني جميلاً من البشر مقروناً بلطيف من الخطاب في بسط وجه ولين كنفٍ، فلما كشفه الامتحان بيسير الحاجة كان كالتابوت المطلي بالذهب المملوء بالعذرة، أعجبك حسنه ما دام مطبقاً فلما فتح آذاك نتنه، فلا أبعد الله غيره.

وقال بعضهم: من لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قلّ صديقه، ومن لم يرض من صديقه إلا بإيثاره إياه على نفسه دام سخطه، ومن جانب على غير ذنب إخوانه كثر عدوّه.

[مساوئ الإخوان]

أنشد لبعضهم:

والله لو كرهت كفي منادمتي ... لقلت للكفّ بيني إذ كرهتيني

ولآخر:

فإني لو تخالفني شمالي ... خلافك ما وصلت بها يميني

إذاً لقطعتها فلقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني

ولآخر:

من لم يردك فلا ترده ... هبه كمن لم تستفده

باعد أخاك إذا نأى ... وإذا دنا شبراً فزده

قال: وسمعها الكسروي فقال:

في سعة الأرض وفي عرضها ... مستبدلٌ بالأهل والجار

فمن دنا منا فأهلاً به ... ومن تولى فإلى النار

ولآخر:

وقائلٍ كيف تهاجرتما ... فقلت قولاً فيه إنصاف

لم يك من شكلي فتاركته ... والناس أشكالٌ وألاّف

ولآخر:

تودّ عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك إن الرأي عنك لعازب

وليس أخي من ودّني رأي عينه ... ولكن أخي من ودّني وهو غائب

وقد قالت الحكماء الأوائل: نعوذ بالله من بوائق الثقات ومن الاغترار بظاهر المودّات. وأنشد الآخر:

إن اختياريك على خبرةٍ ... أعجب شيء مرّ في العالم

وأنشد لآخر:

إن اختياريك لا عن خبرةٍ سلفت ... إلا الرجاء ومما يخطيء النظر

كالمستغيث ببطن السيل يحسبه ... جزراً يبادره إذ بلّه المطر

وأنشد لآخر:

إذا كنت في قوم فقارن سراتهم ... فإنك منسوبٌ إلى من تقارن

وبيت عدي بن زيد في هذا المعنى مختار قديم:

عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن يقتدي

ولآخر في هذا المعنى:

مشي البريّ مع المقارف تهمةٌ ... ويرى البريّ مع السقيم فيُلصخ

ولآخر في هذا المعنى:

إذا اعتذر الصديق إليك يوماً ... من التقصير عذر أخٍ مقرّ

فصنه عن جوابك واغض عنه ... فإن العفو شمية كل حرّ

ولبعض الكتاب:

وصاحبٍ كان لي وكنت له ... أشفق من والد على ولد

وكان لي مؤنساً وكنت له ... ليست بنا حاجةٌ إلى أحد

كنا كساقٍ تمشي بها قدمٌ ... أو كذراعٍ نيطت إلى عضد

حتى إذا أمكن الحوادث من ... حظي وحلّ الزمان من عقدي

ازورّ عني وكان ينظر من ... عيني ويرمي عن ساعدي ويدي

حتى إذا استرفدت يدي يده ... كنت كمسترفدٍ يد الأسد

محاسن الخصيان

<<  <   >  >>