للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من مناقب الخصيان أن الخصي لا يصلع ومتى خصي قبل الإنبات لم يُنبت، وإذا خصي بعد استحكام الشعر في مواضع الشعر تساقط كله إلا شعر الرأس والحاجبين وأشفار العينين، وإنما يعرض لما يتولد من فضول البدن، ولم ير خصي قط مخنثاً ولا سمعنا به ولا ندري كيف ذلك ولا نعرف المانع منه ما هو، وقد كان ينبغي أن يكون ذلك فيهم خلقةً ويشمل جماعتهم لشبههم بالنساء وقربهم من الصبيان، وقد رأينا غير واحد من الأعراب مخنثاً ورأينا عدة مجانين مخنثين وأخبرني من رأى كردياً مخنثاً.

ومن فضائل الخصيّ أن المرأة تميل إليه لأن أمره أستر وعاقبته أسلم وتحرص عليه لأنه ممنوع عنها وترغب في السلامة من الولد. والخصي إذا تنسك غزا ولزم الثغور وبادر بماله إلى طرسوس. وقيل فيهم:

ونساءٌ لمطمئنٍّ مقيمٍ ... ورجالٌ إن كانت الأسفار

وقد يُرى الخصي وكأن السيوف تلمع في لونه وكأنه مرآة صينية وجمارة أو قضيب فضة قد مسه ذهب وكأن في وجنتيه الورد، ويعرض له صبر على طول الركوب والقوة على كثرة الركض حتى يجاوز في ذلك رجال الأتراك وفرسان الخوارج، وهم أطول الناس أعماراً، وما ذلك فيما أرى إلا لعدم النكاح وقلّة استنزاح النطف، ولذلك يقال: إن البغل أطول أعماراً من سائر الدواب والعصفور أقلها أعماراً، وما ذلك إلا لكثرة سفادة العصفور وقلة نزو البغال. ولو أن أخوين أحدهما توأم أخيه خصي أحدهما لخرج الخصي منهما أجود خدمة وأفطن لأبواب المعاطاة وأذكى عقلاً عند المخاطبة من أخيه الذي ولد معه في وقت واحد.

[مساوئ الخصيان]

قيل: كل ذي ريح منتنة وكل ذي ذفر وصنانٍ كريه المشم كالتيس وما أشبهه فإنه متى خصي نقص نتنه وذهب صنانه غير الإنسان فإن الخصي يعود أنتن ما كان وصنانه أحدّ، ويعتري الخصيان خبث العرق حتى توجد لأجسادهم رائحة لا تكون لغيرهم، وكلّ شيء من الحيوان يُخصى فإن عظمه يدقّ ويسترخي لحمه ويتبرأ من عظمه ويعود رخصاً رطباً بعد أن كان عضلاً صلباً، والإنسان إذا خصي طال عظمه وعرُض ويعرض له طول القدم واعوجاج الأصابع ويعرض له سرعة التغير والتبدل والانقلاب من حدّ الرطوبة والبضاضة وملاسة الجلد وصفاء اللون ورقّته والتقبّض إلى الهزال وسوء الحال، ويعرض للخصيان سرعة الرضى والغضب وحب النميمة وضيق الصدر لما أُودع من سر، وما أكثر ما يعرض للخصيان البول في الفراش ولا سيما إذا بات أحدهم ممتلئاً من النبيذ، ويعرض لهم حب الشراب والإفراط في شهوته، ويعرض لهم سرعة الدمعة والعبث واللعب بالطير والفخّ وما أشبه ذلك وجاء من أخلاق الصبيان، ويعرض لهم الشره عند الطعام والبخل عليه.

والخصي تسخن معدته وتلين جلدته وتنحدر شعرته ويتسع دبره. والخاصي ربما عمد إلى الصبي ليخصيه فتتقلص إحدى خصيتيه وتصير البيضة في موضع لا يمكنه ردها إلى مكانها فيقطع ما ظهر له ويبقى ذا بيضة واحدة فهو حينئذ لا امرأة ولارجل ولا خصي وتخرج لحيته فلا يدعه الناس في دورهم فلا يكون مع الخصيان مقرباً ولا مع الفحول مستخدماً، وقد فاته غشيان النساء ولذّة النسل والتمتع بشم الأولاد.

على أن في الخصيان شرهاً شديداً وميلاً عجيباً إلى النساء، من ذلك ما حكي عن أبي المبارك الخصي ومسامحته في حفظ النساء فقال: والله إني ربما أسمع نغمة المرأة فأظن أن كبدي قد ذابت وأن عقلي قد اختُلس، وربما نزا فؤادي عند ضحك إحداهن حتى أظن أنه قد خرج من فمي فكيف ألوم عليه غيري؟ قال: وكان الجمّاز يتعشق جارية لآل جعفر يقال لها طغيان، وكان لهم خصي يسمى سناناً يحفظها وكان يتعشق الجارية أيضاً، وحال بينها وبين الجماز ومنعها من الدنوّ منه. فقال الجماز:

ما للمقيت سنانٍ ... وللظباء الملاح

أليس زانٍ خصيٌّ ... غازٍ بغير سلاح

قيل: ودخل معاوية بن أبي سفيان على امرأته ميسون بنت بحدل وهي أم ابنه يزيد ومعه خصي فاستترت منه. فقال: لم تتسرين عنه وإنما هو بمنزلة المرأة؟ فقالت: كأنك ترى أن مثلتك به تحلل له ما حرم الله عليه مني.

<<  <   >  >>