للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان البصريون يروون هذا البيت:

(الشمسُ طالعةٌ ليست بكاسفةٍ ... تبكي عليكَ نجومَ الليلِ والقمرا) (١٥) (٣٨٧)

ويقولون: نصب نجوم الليل والقمر بكاسفة. وقالوا: المعنى: الشمس طالعة، وليست بكاسفةٍ نجومَ الليلِ والقمرَ، لحُزنِها وبكائها عليك.

وكانت العرب إذا أرادت تعظيمَ مَهْلكِ رجلٍ عظيمِ الشأنِ، عالي المكان، كثير الصنائعِ، قالوا: أَظلمَ النهارُ لموته، وكُسِفَتِ الشمس لمقصد، وبكته الريح والبرقُ. قال الشاعر (١٦) يرثي رجلاً:

(الريحُ تبكي شَجْوَهَا ... والبرقُ يلمعُ في غمامه)

قال الله عز وجل: {فما بَكَتْ عليهم السماءُ والأرضُ} ففيه ثلاثة أقوال:

أحدهن: أنّ الله عز وجل، لما أهلكَ فرعونَ وقومَه، وأورث منازلَهم وديارَهم (١٠٩ / أ) وجنّاتهم / غيرَهم، لم يبكِ عليهم باكٍ، ولمن يجزع عليهم جازع، ولم يوجد لهم فقد.

والقول الثاني: أن يكون المعنى: فما بكى عليهم أهل السماء، ولا أهل الأرْض , فحذف الأهل، وأقام السماء والأرض مقامهم، كما قال: {واسألِ القريةَ} (١٨) على معنى: أهل القرية.

وقال ابن عباس (١٩) : معنى قوله عز وجل: {فما بكتْ عليهم السماءُ والأرضُ} أن المؤمن له باب في السماء يصعد منه عمله وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه بابُه في السماء، وأَثرُهُ في الأرض، ومُصَلاّه. والكافر إذا مات لم يبك عليه باب في السماء ولا أثر في الأرض.


(١٥) لجرير، ديوانه ٧٣٦. وينظر في توجيه إعرابه: الإفصاح للفارقي ١٩٢. [ف: لفقد.] (١٦) يزيد بن مفرغ، شعره: ١٤٣ (سلوم) ٢٠ {أبو صالح) .
(١٧) الدخان ٢٩.
(١٨) يوسف ٨٢.
(١٩) معاني القرآن ٣ / ٤١، القرطبي ١٦ / ١٤٠. ٠

<<  <  ج: ص:  >  >>