للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨١٩ - وقولهم: أمّا بعدُ فقد كان كذا وكذا

(٣٦١)

قال أبو بكر: قال اللغويون: معنى " أما بعد ": أمّا بعد الكلام المتقدّم. وأمّا بعدَ ما بلغنا من الخبر. فحذفوا ما كانت " بعد " مضافةً إليه، فضمت. ولو ترك الذي هي إليه مضافة، لفتحت ولم تضم. كقولهم: أما بعدَ حمد الله، والصلاة على نبيه فإني أقول كذا وكذا. لا يجوز ضمها في هذا الكلام. فإذا أفردت ضُمّت.

قال الفراء (٥٢) : إنما اختاروا لها الضمَّ لتضمنها معنيين: معناها في نفسها، ومعنى المحذوف بعدها، فقَويت، فحملت أثقل الحركات؛ كما قالوا: الخصبُ حيثُ المطرُ، فضموا " حيث " لتضمنها معنى محلين، كأنهم قالوا: الخصب في مكان فيه المطر. وكذلك: نحنُ قمنا / ألزموا " نحن " الضمَّ، لتضمنه معنى التثنية ٢٣٧ / أوالجمع. قال الله عز وعلا: {لله الأمرُ منْ قبلُ ومنْ بعدُ} (٥٣) . أراد: من قبل كلّ شيء، ومن بعد كلّ شيء. فضمهما لمّا حذف الذي كانتا مضافتين إليه.

قال هشام (٥٤) : إنما ضموا كراهة أن يكسروا، فيُشبه المضاف إلى المتكلم، وكرهوا أن يفتحوا، فيُشبه الاسم الذي لا يجري، الذي ينصب في موضع الخفض، فضموا إذ لم يبق إلا الضم.

وقال البصريون (٥٥) : إنما ضموا، لأن هذا الظرف خالف سائر الظروف، بقيامه مقام المضاف إليه. فبنوه على الحركة التي لا تدخل على الظروف، لمخالفته إياها، وهي الضمة؛ ولم يبنوه على الفتحة والكسرة، إذ كانت الظروف تُفتح وتُكسر، فيقال: جلست عندَك، وخرجت من عندِك. قال الشاعر (٥٦) :

(إذا أنا لم أُومنْ عليك ولم يكنْ ... لقاؤك إلاّ منْ وراءُ وراءُ)


(٥٢) معاني القرآن ٢ / ٣١٩.
(٥٣) الروم ٤. وقد فصل فيها القول السفاقسي في المجيد في اعراب القرآن المجيد ٢ / ق ٢٠١.
(٥٤) مشكل اعراب القرآن ٥٥٩.
(٥٥) المقتضب ٣ / ١٧٥. وما ينصرف وما لا ينصرف ٨٩ - ٩٠.
(٥٦) عتي بن مالك العقيلي في الكامل ٥٧ واللسان (روى) وهو بلا عزو في معاني القرآن ٢ / ٣٢٠، وقطر الندى ٣١ وشذور الذهب ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>