للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثر أهل العلم. وشاهده: {وكذلك أوحينا إليكَ رُوحاً من أَمْرِنا} (٢٠٤) ، ومثلهما: {وكلمتُهُ ألقاها إلى مريم وروحٌ منه} (٢٠٥) ، معناه: ووَحْيٌ منه.

وقال ابن قتيبة (٢٠٦) ، معناه: ونَفْخٌ منه، وذلك أن الله تعالى أمر جبريل، فنفخ في جيب درع مريم، فحملت بعيسى عليه السلام. واحتج بقول ذي الرمة (٢٠٧) يصف وقع الشرر في الحُرّاق:

(فلمّا بَدَتْ كَفَّنْتُها وهي طِفْلَةٌ ... بَطلْساءَ لم تَكْمُلْ ذِراعاً ولا شِبْرا)

(وقلتُ له ارفعها إليكَ وأَحْيها ... بروحِكَ واجعله لها قِيتةً قَدْرا)

(وظاهِرْ عليها الشَّخْتِ ما اسطعت واستعِنْ ... عليها الصَّبا واجعلْ يَدَيْكَ لها سِتْرا) (٣٨٩)

أراد: فلما بَدَتِ الشررة كفَّنتها، وهي صغيرة، بخرقة سوداء، وهي الطلساء. و " أحيها بروحك "، أي: بنفخك، واجعل النفخ لها كالقوت، لا يكن شديداً ٢٤٥ / أفيطيرها، ولا شديد / الضعف فتموت وتخمد.

قال أبو بكر: فهذا الذي قاله ابن قتيبة في الآية لا إمام له فيه، إذ كان المفسرون واللغويون قالوا: الروح: الوحي، ويكسره عليه قول الله تعالى: {فَنفَخْنا فيه من روحنا} (٢٠٨) ، أي: من وحينا. ولا يحسنُ أن يقال: فنفخنا فيه من نَفْخِنا. كما لا يقال: قامَ من قيامِهِ، ولا: قَعَدَ من قعوده. وفي بيت ذي الرمة ثلاث تأويلات تغني عن تعسُّف ابن قتيبة وحمله القرآن على ما لا يأثره عن إمام:

أحدهن: وأحيها بنفسك. أي: تولّ إحياءها أنت، ولا تَكِلْ أمرها إلى غيرك. فأقام " الروح " مقام " النفس " للمقاربة بينهما. ولأن العرب لا توقع بينهما افتراقاً.


(٢٠٤) الشورى ٥٢.
(٢٠٥) النساء ١٧١.
(٢٠٦) تأويل مشكل القرآن ٤٨٦.
(٢٠٧) ديوانه ١٤٢٨ - ٣١ وفيه: واقْتَتْهُ لها قتيةً، وظاهر لها من يابس الشخت، والشخت مادق من الحطب. ورواية الديوان أصوب لعجز البيت الثاني.
(٢٠٨) التحريم ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>