للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاسْتِطَاعَةُ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَإِمْكَانِ السَّيْرِ وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي فُرُوعِ الِاسْتِطَاعَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ يُزِيدَانِ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ الْمَحْرَمُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ شَرْطًا عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ هُوَ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ: هُوَ وَالْعَقْلُ، وَعَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ وَغَيْرُهُ هُمَا وَالِاسْتِطَاعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ) ش لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ شَرْطِهِ وَسَبَبِهِ وَانْتِفَاءِ مَانِعِهِ، وَفَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ الْحَجِّ ذَكَرَ هُنَا سَبَبَهُ وَسَيَذْكُرُ فِي آخِرِ الْحَجِّ مَوَانِعَهُ، فَقَالَ: وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ، يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَجِّ الِاسْتِطَاعَةُ، وَإِفْرَادُهَا عَنْ شُرُوطِ الْحَجِّ وَعَدَمُ عَطْفِهَا عَلَيْهَا وَإِدْخَالُ الْبَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَكَذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا: زَنَى فَرُجِمَ، وَسَرَقَ فَقُطِعَ، وَسَهَا فَسَجَدَ، وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوُجُوبَ بِحَرْفِ " عَلَى " لِلِاسْتِطَاعَةِ فَتَكُونُ سَبَبًا لَهُ انْتَهَى.

وَتَبِعَهُ التَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَجْعَلُونَ الِاسْتِطَاعَةَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ لَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق وَنَصَّهُ وَالِاسْتِطَاعَةُ هِيَ شَرْطُ وُجُوبٍ لَا صِحَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى.

وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ هُوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَنَحْوِهِ فِي عِبَارَةِ التَّلْقِينِ وَنَصَّهُ وَشَرْطُ أَدَائِهِ شَيْئَانِ: الْإِسْلَامُ وَإِمْكَانُ الْمَسِيرِ، قَالَ مُؤَلِّفُ طُرَرِ التَّلْقِينِ: عَدَّهُ إمْكَانَ الْمَسِيرِ شَرْطُ أَدَاءً وَهُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ إذْ هُوَ مِنْ لَوَاحِقِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ هَذَا هُوَ أَنْ لَا يَتَصَوَّرَ لَهُ حَجٌّ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُغَرَّرُ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَهُ فَيَكُونُ حَجُّهُ عَلَى هَذَا مَعْصِيَةً وَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فَلَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ وَيَكُونُ كَحَجِّ الْكَافِرِ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: هُوَ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ وَلِلْوُجُوبِ انْتَهَى.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا حَيْثُ يَقَعُ الْإِحْرَامُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَأَمَّا لَوْ تَكَلَّفَ حَتَّى صَارَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ مُسْتَطِيعًا ثُمَّ أَحْرَمَ صَحَّ حَجُّهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ نِزَاعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا سَبَبٌ. الثَّانِي أَنَّهَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ. الثَّالِثُ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ الْوُجُوبُ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِالْفِعْلِ انْتَهَى.

وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ بِدُونِ الِاسْتِطَاعَةِ وَيَتَحَتَّمُ بِوُجُودِهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ بِدُونِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) فَإِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَوُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَعْنِي الِاسْتِطَاعَةَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَانِهِ وَقْتٌ وَاسِعٌ كَانَ وُجُوبُهُ مُوسِعًا وَمَتَى سَعَى فِيهِ سَعَى فِي وَاجِبِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ سَقَطَ عَنْهُ كَمَا إذَا طَرَأَ لِعُذْرٍ فِي وَقْتِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إذَا مَاتَ سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا، وَلَا يَلْزَمُ وَرَثَتُهُ وَلَا مَالُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنَ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ انْتَهَى.

ص (بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ)

ش: لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَجِّ الِاسْتِطَاعَةُ أَخَذَ يُفَسِّرُهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>