للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَبَعِيدٌ أَنْ يُقَالَ: بِرُكُوبِهِ وَإِنْ أَدَّى لِتَضْيِيعِ بَعْضِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ انْتَهَى.

وَلَمْ يُبَيِّنْ الْبَاجِيُّ مَا الَّذِي يُسْتَخَفُّ تَضْيِيعُهُ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا جَالِسًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْجُدَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَنَصُّهُ وَالْحَجُّ فِي الْبَحْرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ فِي الْجَزَائِرِ، مِثْلُ صِقِلِّيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ؛ لِأَنَّهَا بِحَارٌ مَارِجَةٌ إذَا كَانَ الرَّاكِبُ يُوفِي بِصَلَاتِهِ وَلَا يُعَطِّلُهَا وَلَا يَنْقُصُ فُرُوضُهَا فَإِنْ كَانَ يُعْرَضُ لَهُ مَيْدٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْتِيَ بِفَرْضٍ لِيُسْقِطَ فُرُوضًا، وَيَخْتَلِفُ إذَا كَانَ يَأْتِي بِصَلَاتِهِ جَالِسًا أَوْ لَا يَجِدُ مَوْضِعًا لِسُجُودِهِ لِضِيقِ الْمَوْضِعِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ فَلَا يَرْكَبُهُ أَيَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي، وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: إنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ إذَا كَانَ يَأْتِي بِالْبَدَلِ وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الرُّتْبَةِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَاَلَّذِي يُسَافِرُ حَيْثُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَيَنْتَقِلُ لِلتَّيَمُّمِ فَخَرَجَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْجُمُعَةِ بِالْإِجْزَاءِ لُزُومُ الْحَجِّ مَعَ ذَلِكَ وَقَاسَ مَنْعُ رُكُوبِهِ حَيْثُ يُصَلِّي جَالِسًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَنْعِ رُكُوبِهِ حَيْثُ يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ فَسَاوَى بَيْنَ تَرْكِ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ، وَقَبِلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ؛ فَقَالَ: وَفِي كَوْنِهِ مَعَ الصَّلَاةِ جَالِسًا أَوْ السُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ مُسْقِطًا أَوْ لَا سَمَاعُ أَشْهَبَ وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْجُمُعَةِ بِصِحَّةِ جُمُعَةِ مَنْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَإِبَاحَةِ سَفَرٍ يَنْقُلُ لِلتَّيَمُّمِ انْتَهَى.

فَعَزَا لِسَمَاعِ أَشْهَبَ: سُقُوطُ الْحَجِّ بِصَلَاتِهِ جَالِسًا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ نَصًّا وَلَكِنَّهُ تَبِعَ اللَّخْمِيَّ فِي مُسَاوَاتِهِ بَيْنَ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَالسُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَتَبِعَ اللَّخْمِيّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي شَرْحِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اخْتَصَرَهَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: إذَا عَلِمَ شَخْصٌ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ حَتَّى يَئُولَ أَمْرُهُ إلَى تَعْطِيلِ الصَّلَاةِ أَوْ الْخَلَلِ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ رُكُوبُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ لِأَجْلِ خَوْفِ الْغَرَقِ أَوْ الِاطِّلَاعِ عَلَى مُحَرَّمٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَحَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مَنَعَهُ مِنْ الْقِيَامِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ: وَأَمَّا الَّذِي يَمِيدُ حَتَّى يَمْنَعَهُ الصَّلَاةَ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَإِنَّ اللَّخْمِيَّ خَرَّجَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ، وَصَحَّحَ الْجَوَازَ انْتَهَى.

وَسَمَاعُ أَشْهَبَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ كَلَامُ مَالِكٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ إذَا رَكِبَهُ وَكَانَ يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَانْظُرْ إذَا أَدَّاهُ ذَلِكَ لِلصَّلَاةِ جَالِسًا وَمُقْتَضَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ السَّابِقِ أَنَّهُ مِثْلُ الَّذِي يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ. وَكَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ وَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَلَمْ يَرْتَضِ صَاحِبُ الطِّرَازِ مُسَاوَاةَ اللَّخْمِيِّ بَيْنَ صَلَاتِهِ جَالِسًا وَسُجُودِهِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَنَصُّهُ وَيَخْتَلِفُ إذَا كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِزِحَامِ النَّاسِ، فَذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ وَقَوْلَ أَشْهَبَ فِي الْجُمُعَةِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَخَرَّجَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ وَقَدَرَ عَلَى الْجُلُوسِ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ السُّجُودَ آكَدُ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْقِيَامُ فِي النَّقْلِ وَفِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَالْقِيَامُ يَتَرَخَّصُ بِتَرْكِهِ فِي حَالٍ وَالسُّجُودُ لَا يُتْرَكُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِي كُلِّ حَالٍ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَتَصَرَّعُ فَلَا يَتَمَسَّكُ جَالِسًا فَهُوَ كَتَرْكِهِ السُّجُودَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُرَخِّصْ فِي ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ انْتَهَى.

فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ الْحَجِّ لِأَجْلِ السُّجُودِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ السُّقُوطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>