للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَوَافٍ وَاجِبٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَبَاعَدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَدَمٌ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالْعُمْرَةِ فَلَا شَكَّ فِي فَرْضِيَّتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ، أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الرَّاجِحِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ فِي بَابِ الْحَجِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَغَيْرُهُ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرْضٌ تَبَعًا لِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَا أُحِبُّ لَهُ سَعْيَهُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ لَا غَيْرُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِهِ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ: وَسَمَّاهُ فِيهَا وَاجِبًا وَفَرْضًا وَأَيْضًا، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ مُتَرَادِفَانِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ فَرْضٌ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَجِّ

[تَنْبِيهَاتٌ نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا نَوَى الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْقِرَانِ بِطَوَافِهِ الَّذِي يَسْعَى بَعْدَهُ طَوَافَ الْقُدُومِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ، وَيَعْلَمُ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ مِنْ الْأَفْعَالِ اللَّازِمَةِ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْقِرَانِ، وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَأَنَّ تَسْمِيَتَهُ سُنَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَهُوَ عِنْدِي كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانَ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَيُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَهَذَا لَا يَضُرُّ كَمَنْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ طَوَافَ الْقُدُومِ وَنَوَى أَنَّهُ يَطُوفُ لِحَجِّهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَنَوَى بِطَوَافِهِ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَيُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى الطَّوَافَ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ شَيْئًا فَهَذَا يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يُجْزِهِ سَعْيُهُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ الْفَرِيضَةَ وَكَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعَوْفِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ شُرُوطِ السَّعْيِ إيصَالَهُ بِالطَّوَافِ وَاتِّصَالُهُ فِي نَفْسِهِ وَذَلِكَ شَرْطٌ إلَّا أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ مُغْتَفَرٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيُوَالِي بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ وَالسَّعْيِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ، وَكَذَلِكَ إذَا فَرَّقَ بَيْنَ السَّعْيِ نَفْسِهِ وَخَرَجَ لِجِنَازَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُطِلْ، فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ، قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ طَافَ، وَلَمْ يَخْرُجْ لِلسَّعْيِ حَتَّى طَافَ تَنَفُّلًا سَبْعًا أَوْ سَبْعِينَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ ثُمَّ يَسْعَى، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ فِي سِعَةٍ، وَقَالَ فِيمَنْ طَافَ وَرَكَعَ ثُمَّ مَرِضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ السَّعْيَ حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ: إنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَبْتَدِئُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَافَ لَيْلًا أَوْ أَخَّرَ السَّعْيَ حَتَّى أَصْبَحَ: فَإِنْ كَانَ بِطُهْرٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَامَ وَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلِيُعِدْ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ ثَانِيَةً إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَهْدَى وَأَجْزَأَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إعَادَةَ الْمَرِيضِ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ هَذَا فَرْقٌ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَسْعَى قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَرَآهُ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا إذَا انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَرَجَعَ، وَلَوْ بَلَغَ بَلَدَهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ يَصِحُّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ إذَا سَعَى بِالْقُرْبِ، وَيَصِحُّ مِنْ الْحَائِضِ فَلَمْ يَكُنْ لِمُرَاعَاةِ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ إذَا بَعُدَ وَجْهٌ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلتَّفْرِيقِ الْفَاحِشِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ جَلَسَ بَيْنَ طُهْرَانَيْ سَعْيِهِ شَيْئًا خَفِيفًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ فَصَارَ كَتَارِكِ مَا كَانَ فِيهِ فَلْيَبْتَدِئْ، وَلَا يَبْنِي، وَإِنْ صَلَّى عَلَى ابْنَ بَزِيزَةَ فَقَالَ وَرَخَّصَ لِلْمَدَنِيِّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مَرِيضًا فِي تَأْخِيرِهِ لِلْجُحْفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ: لَا لِمَكَّةَ انْتَهَى.

وَكَذَا التِّلِمْسَانِيُّ وَسَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَنَصُّهُ: وَالْمَرِيضُ يُحْرِمُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ افْتَدَى، وَإِنْ أَخَّرَ إلَى الْجُحْفَةِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، أَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِحْرَامَ لِمَرَضِهِ حَتَّى يَقْرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِغَيْرِ مِيقَاتٍ لَهُ فَلَا يَفْعَلُ وَلْيُحْرِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ انْتَهَى.

فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ ابْن بَزِيزَةَ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ رَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَانْظُرْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ التَّأْخِيرُ حَرَامٌ وَيَجِبُ بِسَبَبِ الْهَدْيِ أَمْ لَا وَلَفْظُ النَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمُ: لَا يَنْبَغِي، وَهَكَذَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَنَصُّهُ: وَهَلْ لِلْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُؤَخِّرَ إذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ؟ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِعُذْرِهِ وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلْيُحْرِمْ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ افْتَدَى انْتَهَى.

فَلَعَلَّهُ فَهِمَ قَوْلَ لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ، وَفِي كَلَامِهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ فِي الْمَرِيضِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ: ظَاهِرٌ وَمِثْلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَيَعْنِي بِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْمِصْرِيِّ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحُلَيْفَةِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: لَوْ كَانَ الْمَدَنِيُّ غَيْرَ مَرِيضٍ وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَسُقُوطِهِ قَوْلَانِ، وَالْوُجُوبُ لِمَالِكٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي الْوُجُوبِ وَالسُّقُوطِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ اُخْتُلِفَ فِي مُرِيدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُجَاوِزُ مِيقَاتَهُ إلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَدَنِيُّ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَوْجَبَ الدَّمَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهُ انْتَهَى.

وَهَكَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَرَضٍ، وَلَا بِغَيْرِ مَرَضٍ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّحِيحُ وَلِذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُؤَخِّرُهُ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَالدَّمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ بِغَيْرِ قَيْدِ الْمَرَضِ إلَّا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى الطَّاعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قِيلَ: لِمَالِكٍ فِي مِيقَاتِ الْجُحْفَةِ أَيُحْرِمُ مِنْ وَسَطِ الْوَادِي أَوْ آخِرِهِ قَالَ كُلُّهُ مُهَلٌّ وَلْيُحْرِمْ مِنْ أَوَّلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَ الْجُحْفَةِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَسُئِلَ أَيْضًا: أَيُحْرِمُ مِنْ الْجُحْفَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ، وَمِنْ الْأَوَّلِ أَحَبُّ إلَيْنَا انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ سَنَدٌ وَذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي رَسْمِ حَلَفَ لَيَرْفَعَنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَمِنْ الْأَوَّلِ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَلَمْ يَزِدْ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ الْأَوَّلَ أَعْنِي قَوْلَهُ: مُهَلٌّ وَمِنْ أَوَّلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ وَعَزَاهُ لِلْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرُ وَانْظُرْ هَلْ مُرَادُ مَالِكٍ بِالْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ رَابِغٌ أَمْ لَا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) : يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَنْ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ لِلْإِحْرَامِ فِي مَسْجِدِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>