للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (غَيْرِ حَائِضٍ) يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ يُرِيدُ، وَلَا لِلنُّفَسَاءِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا هُوَ لِلطَّوَافِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِذَلِكَ لَوْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ أُمِرَ بِالْغُسْلِ بَعْدَ دُخُولِهِ، وَإِذَا اغْتَسَلَ لِدُخُولِهِ اكْتَفَى بِهِ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ، وَقِيلَ: إنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَغُسْلُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: اُخْتُلِفَ فِي الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقِيلَ: هُوَ لِلطَّوَافِ، وَقِيلَ: هُوَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَعَلَى أَنَّهُ لِلطَّوَافِ لَا تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَيُجْزِي الرَّجُلَ لِلدُّخُولِ وَلِلطَّوَافِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبَاجِيُّ، وَعَلَى أَنَّهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَتَغْتَسِلُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ بِذِي طُوًى، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَلَا يُجْتَزَأُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِلطَّوَافِ، وَهُوَ أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ يَغْتَسِلَانِ لِدُخُولِ مَكَّةَ انْتَهَى.

(فَرْعٌ) : وَيُطْلَبُ فِي الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالدُّخُولِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ بَاتَ خَارِجَ مَكَّةَ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، قَالَ سَنَدٌ: وَالِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ يُسْتَحَبُّ قَبْلَ دُخُولِهَا لِيَكُونَ طَوَافُهُ مُتَّصِلًا بِقُدُومِهِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَاغْتَسَلَ بَعْدَ دُخُولِهِ فَوَاسِعٌ قَالَ مَالِكٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: وَلَا يَكُونُ غُسْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ إلَّا بِقُرْبِ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغُسْلَ لِلْإِحْرَامِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ لَا يَغْتَسِلُ الْيَوْمَ وَيَبِيتُ بِظَاهِرِهَا ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ غَدِهِ انْتَهَى.

وَيُؤْمَرُ بِهِ كُلُّ مَنْ يُرِيدُ الطَّوَافَ، قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَغْتَسِلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: بِطُوًى يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لِغُسْلِ مَكَّةَ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ قَبْلَ دُخُولِهَا لِيَكُونَ طَوَافُهُ مُتَّصِلًا بِدُخُولِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ ذِي طُوًى بِالْقُرْبِ أَجْزَأَهُ وَذُو طُوًى تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَعَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ مَنْ أَتَى مَكَّةَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى اغْتَسَلَ بِقُرْبِهَا، قَالَ: وَوَاسِعٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي تَرْكِ الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ انْتَهَى.

وَانْظُرْ لَوْ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي مَكَّةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ (فَرْعٌ) : وَلَا يَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ، وَلَا فِي غُسْلِ عَرَفَةَ بَلْ يَكْتَفِي بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى مَا قَالَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَعَ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ تَبَعًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ مُعَلَّى وَيُطْلَبُ أَيْضًا فِي غُسْلِ عَرَفَةَ الِاتِّصَالُ، فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَمْ يُجْزِهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى حُكْمِ الِاغْتِسَالِ بِالْمَدِينَةِ: فَمَنْ اغْتَسَلَ غُدْوَةً، وَرَاحَ عِشَاءً لَمْ يَتَّصِلْ رَوَاحُهُ بِغُسْلِهِ فَلَمْ يُجْزِهِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ صَبِيحَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِوُقُوفِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى الصَّلَاةِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلْيَنْظُرْ قَبْلَ رَوَاحِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَوَقْتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْوُقُوفُ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ الصَّلَاةَ بِالْوُقُوفِ انْتَهَى.

وَيُطْلَبُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ حَتَّى الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءِ قَالَهُ سَنَدٌ وَالتَّادَلِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ)

ش: يَعْنِي أَنَّ خُصُوصِيَّةَ لُبْسِ مَا ذُكِرَ سُنَّةٌ، وَلَوْ لَبِسَ غَيْرَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ الْتَحَفَ فِي كِسَاءٍ أَوْ رِدَاءٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدُّ التَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ فِي سُنَنِ الْإِحْرَامِ، كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّجَرُّدَ وَاجِبٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُقَالُ: التَّجَرُّدُ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالتَّجَرُّدُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِأَنَّ التَّجَرُّدَ يَجِبُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَتَجَرَّدُ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>