للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ وَلَوْ جَعَلَ فِي ثَوْبِهِ طِيبًا قَدْ قَدُمَ، وَذَهَبَ رِيحُهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِدْيَةٌ انْتَهَى، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ صَرِيحٌ، أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ إذَا غُسِلَ، أَوْ نُشِرَ وَتَقَادَمَ حَتَّى انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ وَلَا يَظْهَرُ بِوَجْهٍ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لُبْسُهُ، وَلَا يَحْرُمُ، ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الطِّيبِ الرَّائِحَةُ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً افْتَدَى، وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَرَأَيْتَ فِي حَاشِيَةٍ مَعْزُوَّةٍ لِكِتَابِ اللُّبَابِ شَرْحِ الْجَلَّابِ لِلْغَسَّانِيِّ فِيهَا مَا نَصُّهُ لَوْ انْقَطَعَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ.

ص (أَوْ لِضَرُورَةِ كُحْلٍ)

ش: ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ لِضَرُورَةِ الْكُحْلِ وَشَبَهِهَا مَمْنُوعٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ الْفِدْيَةِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ كَكَفٍّ وَرِجْلٍ بِمُطَيِّبٍ.

وَلَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ اكْتِحَالِ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ الْمُطَيَّبِ، وَالْمَذْهَبُ إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.

وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَالْكُحْلُ فِيهِ الْفِدْيَةُ إنْ كَانَ مُطَيَّبًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَيَّبٍ، وَكَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَثَالِثُهَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَاكْتِحَالُ الْمُحْرِمِ مُطْلَقًا لِدَوَاءٍ جَائِزٌ، وَفِيهِ بِمُطَيَّبٍ الْفِدْيَةُ وَلِزِينَةٍ مَمْنُوعٌ، وَفِي الْفِدْيَةِ بِغَيْرِ مُطَيَّبٍ ثَالِثُهَا عَلَى الْمَرْأَةِ لَهَا وَلِلَّخْمِيِّ عَلَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْجَلَّابِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ انْتَهَى.

(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْكُحْلِ، فَاكْتَحَلَ لِقَصْدِ الدَّوَاءِ.

وَلِقَصْدِ الزِّينَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، فَغَلَّبَ جَانِبَ الْفِدْيَةِ (الثَّانِي) : قَالَ أَيْضًا أَمَّا تَنْشِيفُ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِبَعْضِ الْمِيَاهِ، أَوْ بِشَيْءٍ لَا يَتَحَجَّرُ عَلَى الْجَسَدِ، فَهُوَ خَفِيفٌ، وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ يَتَحَجَّرُ، وَيَسْتُرُ الْبَشَرَةَ سَتْرًا كَثِيفًا حَتَّى يَكُونَ كَالْقِرْطَاسِ، فَفِيهِ الْفِدْيَةُ (الثَّالِثُ) : قَالَ أَيْضًا عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَا تَكْتَحِلُ الْمَرْأَةُ بِالْإِثْمِدِ، وَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْكُحْلِ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ نَفْسِهِ، فَتَكْتَحِلُ بِهِ وَلَا فِدْيَةَ انْتَهَى.

(الرَّابِعُ) : قَالَ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَلُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ وَالْحُلِيِّ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْكُحْلِ لِلزِّينَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ، وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ إنْ اكْتَحَلَتْ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَاذَا أَجَازَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ، وَذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْكُحْلِ بِغَيْرِ مَا فِيهِ طِيبٌ مِنْ الِاكْتِحَالِ لِلزِّينَةِ قِيلَ؛ لِأَنَّ الْكُحْلَ إذَا كَانَ لِلزِّينَةِ، فَلَهَا فِيهِ انْتِفَاعٌ فِي عَيْنِهَا وَجَمَالٌ وَالْحُلِيُّ وَالْحَرِيرُ لَا انْتِفَاعَ لَهَا فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ الْمَنْفَعَةُ تُوجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زِينَةٌ كَدَوَائِهَا لِجُرْحٍ، وَشِبْهِ ذَلِكَ قِيلَ قَدْ يَكُونُ الْكُحْلُ أَمْرًا لَا يَكَادُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ لِمَكَانٍ مَا فِي الْعَيْنِ بِمَا يُصْلِحُهُ الْكُحْلُ كَالْإِدْهَانِ بِالزَّيْتِ لِيَتَمَرَّنَ عَلَى الْعَمَلِ.

وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَاعِلٌ لِيُحَسِّنَ يَدَيْهِ لَكَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، فَصَارَ مَا فَعَلَ لِلضَّرُورَةِ مِنْ هَذَا لَا فِدْيَةَ فِيهِ انْتَهَى.

ص (وَلَوْ فِي طَعَامٍ)

ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ شَرَابًا فِيهِ كَافُورٌ، أَوْ يَأْكُلَ دُقَّةً مُزَعْفَرَةً فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَكَرِهَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ لِلسَّرَفِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ، وَقَالَ سَنَدٌ أَمَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ حَالُهُ بِقَدْرِ ثَمَنِ الْكَافُورِ، وَعُلُوِّ قِيمَتِهِ وَنُزُولِهَا.

فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَتَطَيُّبُ الْمَاءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَرَفٍ، وَهُوَ كَتَجْمِيرِ آلَتِهِ، وَإِنْبَاذِ الْعَسَلِ فِيهِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢] الْآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>