للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَرَ لِرَسُولٍ بِذَلِكَ، وَفِي فَهْمِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي زَائِدَةٌ انْتَهَى.

(قُلْت) وَعَلَى جَعْلِهَا زَائِدَةً فَفِي الْكَلَامِ إجْمَالٌ، وَلَوْ قَالَ: وَضَمِنَ رَبُّهَا فَقَطْ بِأَمْرِ شَيْءٍ إلَخْ لَكَانَ أَبْيَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ عَطِبَ هَدْيُهُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ مَحِلِّهِ أَلْقَى قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا إذَا نَحَرَهَا، وَرَمَى عِنْدَهَا جِلَالَهَا وَخِطَامَهَا، وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا، وَلَا يَأْمُرُ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا فَقِيرًا وَلَا غَنِيًّا، فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ أَمَرَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ وَسَبِيلُ الْجِلَالِ وَالْخِطَامِ سَبِيلُ لَحْمِهَا، وَإِنْ بُعِثَتْ مَعَ رَجُلٍ، فَعَطِبَتْ فَسَبِيلُ الرَّسُولِ سَبِيلُ صَاحِبِهَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ، فَإِنْ أَكَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا يَأْمُرُ رَبُّهَا الرَّسُولَ إنْ عَطِبَتْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَإِنْ أَمَرَهُ رَبُّهَا إذَا عَطِبَتْ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا، فَعَطِبَتْ وَتَصَدَّقَ بِهَا الرَّسُولُ لَمْ يَضْمَنْ وَأَجْزَأَتْ صَاحِبَهَا كَمَنْ عَطِبَ هَدْيُهُ التَّطَوُّعِ، فَخَلَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ فَأَتَى أَجْنَبِيٌّ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى رَبِّهِ انْتَهَى.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ تَنَاوُلُ ذَلِكَ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ وَأَمَرَهُ رَبُّهُ إذَا عَطِبَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، فَلَمَّا عَطِبَ تَصَدَّقَ بِهِ الرَّسُولُ أَنَّهُ إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ وَنَحَرَهُ سَائِقُهُ اسْتَحَقَّهُ الْمَسَاكِينُ، وَأَنَّهُ إنْ فَرَّقَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ ضَمِنَ ذَلِكَ اللَّحْمَ الَّذِي فَرَّقَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ لِلْمَسَاكِينِ، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ إبَاحَتَهُ لَا تَخْتَصُّ بِالْفَقِيرِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ يَوْمَ يَبْلُغُ مَحِلَّهُ إلَّا سَائِقَهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) : إذَا أَرْسَلَ الْهَدْيَ رَبُّهُ وَقَالَ لِلرَّسُولِ: أَطْعِمْهُ لِلْمَسَاكِينِ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) : فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُبِيحَهُ لِلنَّاسِ بِلَفْظِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ سَنَدٌ

(الرَّابِعُ) : اُنْظُرْ إذَا قَالَ لِلنَّاسِ صَاحِبُ الْهَدْيِ: كُلُوا، أَوْ قَالَ أَبَحْتُهَا لِلنَّاسِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ أَمَرَ بِأَكْلِهَا، أَوْ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِ كُلُوا، أَوْ خُذُوهَا، أَوْ اقْتَسِمُوهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِ أَبَحْتُهَا لِلنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِأَخْذِ شَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَأْخُذْ، فَالظَّاهِرُ لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّسُولِ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُ يُرِيدُ لَا يَضْمَنُ الْبَدَلَ، وَأَمَّا مَا أَكَلَ مِنْهُ، فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ انْتَهَى وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَطْعَمَهُ لِغَيْرِ الْمَسَاكِينِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا يَضْمَنُ مَا أَكَلَهُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّادِسُ) : لَوْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَاجِبٌ فَضَلَ فَأَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ، فَعَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَدَلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَطَوُّعًا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ.

ص (كَأَكْلِهِ مِنْ مَمْنُوعٍ)

ش: وَكَذَا إذَا أَطْعَمَ غَنِيًّا، أَوْ ذِمِّيًّا مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا إذَا أَطْعَمَ مِنْهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ (تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا إذَا أَطْعَمَ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَدْرُ ذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ حَتَّى تَعَذَّرَ سُقُوطُ الْإِرَاقَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ، وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْهَدْيِ، وَإِنَّمَا وَصَلَتْ إلَيْهِ مَنْفَعَةُ ذَلِكَ بِمَا تُؤُمِّرَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَالِدُ، وَلَا الْوَلَدُ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَزِمَ ذَلِكَ الْأَبَ إنْ كَانَ مَلِيًّا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمَسَاكِينُ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الْبَالِغُ فَقِيرًا، فَذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَاكِينِ بِخِلَافِ الْأَبِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْوَلَدِ انْتَهَى.

(قُلْت) : وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا أَكَلَ مِنْهَا الْغَنِيُّ، أَوْ الذِّمِّيُّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَلَى الْآكِلِ قَدْرُ مَا أَكَلَ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا رَبُّهَا لِمَنْ يُفَرِّقُهَا فَأَعْطَى الْمُفَرِّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>