للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرُّبُعُ الثَّانِي مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَافْتَتَحَهُ بِكِتَابِ الذَّكَاةِ، ثُمَّ بِكِتَابِ الضَّحَايَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالتَّتِمَّةِ لِكِتَابِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يُطْلَبُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ أَوْ نَحْرِهِ إمَّا وُجُوبًا أَوْ سُنَّةً، فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الذَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَحَالَ عُيُوبَ الْهَدْيِ وَسِنَّهُ عَلَى الضَّحَايَا، وَهَذَا الْكِتَابُ يُسَمَّى كِتَابَ الذَّكَاةِ، وَيُسَمَّى كِتَابَ الذَّبَائِحِ وَالذَّكَاةُ وَالتَّذْكِيَةُ لُغَةً الذَّبْحُ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: التَّذْكِيَةُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا التَّمَامُ فَمَعْنَى ذَكَّيْتَ الذَّبِيحَةَ أَتْمَمْتَ ذَبْحَهَا وَذَكَّيْتَ النَّارَ أَتْمَمْتَ إيقَادَهَا وَرَجُلٌ ذَكِيٌّ تَامُّ الْفَهْمِ، وَفِي الشَّرْعِ ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَالذَّكَاةُ فِي قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ مَا نَصُّهُ: الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي فُصُولٍ الْأَوَّلُ فِي الذَّكَاةِ فِي اللُّغَةِ الثَّانِي فِي الشَّرْعِ فَذَكَرَ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الشَّرْعِ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: هُوَ السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إبَاحَةِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالذَّبِيحُ الْمَذْبُوحُ وَالْأُنْثَى ذَبِيحَةٌ، وَثَبَتَتْ التَّاءُ لِغَلَبَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَجُمِعَتْ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَالذِّبْحُ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُذْبَحُ وَبِالْفَتْحِ الشَّقُّ وَمَصْدَرُ ذُبِحَتْ الشَّاةُ، وَفِي الشَّرْعِ شَقٌّ خَاصٌّ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّوَاطُؤِ أَوْ مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاكِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الذَّبَائِحُ لَقَبٌ لِمَا يَحْرُمُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ لِعَدَمِ ذَكَاتِهِ أَوْ سَلْبِهَا عَنْهُ، وَمَا يُبَاحُ بِهَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُ الصَّيْدُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَحُكْمُ الذَّبْحِ الْجَوَازُ، وَهُوَ سَبَبٌ فِي طَهَارَةِ الْمَذْبُوحِ، وَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (قُلْت) : وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْهَدْيِ وَالْفِدَاءِ، وَكَمَا إذَا خِيفَ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمَوْتُ وَالِاسْتِحْبَابُ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ وَالْحُرْمَةُ كَالذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَذَبْحِ مَالِ الْغَيْرِ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَةِ الْمُذَكَّى الْمَأْكُولِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمُرَادُ بِالْمَأْكُولِ الْمُبَاحُ فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ، وَإِبَاحَةِ الْمُذَكَّى الْمُبَاحِ، وَذَلِكَ غَيْرُ سَدِيدٍ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَيَوَانُ الْمَأْكُولُ ذُو النَّفْسِ السَّائِلَةِ إنْ ذُكِّيَ أَوْ كَانَ بَحْرِيًّا غَيْرَ خِنْزِيرٍ وَطَافِيهِ حَلَالٌ وَغَيْرُهُ مَيْتَةٌ حَرَامٌ لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ إجْمَاعًا فِيهِمَا غَيْرَ الْأَخِيرَيْنِ وَذِي نَفْسٍ غَيْرِ سَائِلَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مُرَادُهُمْ بِالْمَأْكُولِ مَا أُبِيحَ أَكْلُهُ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَةِ الْمُذَكَّى الْمَأْكُولِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ الْمُذَكَّى الْمُبَاحِ الْأَكْلُ يَرُدُّ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِهِ مَا أُبِيحَ أَكْلُهُ بِتَقْدِيرِ ذَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِ حَيًّا وَجَوَابُ ابْنِ هَارُونَ بِأَنَّ مُرَادَهُ ذِكْرُ الْإِجْمَاعِ عَلَى إعْمَالِ الذَّكَاةِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ، وَإِنْ سَلِمَ عَلَى بُعْدِهِ لَا يَرْفَعُ مَا اُدُّعِيَ مِنْ قُبْحِ تَرْكِيبِ كَلَامِهِ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِ حَيًّا أَيْ يُطْلِقُونَ الْمُبَاحَ عَلَى الْحَيَوَانِ حَالَةَ كَوْنِهِ حَيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ إزْهَاقُ الرُّوحِ بِسُرْعَةٍ وَاسْتِخْرَاجُ الْفَضَلَاتِ، وَلَمَّا قَضَى اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ بِالْفَنَاءِ، وَشَرَّفَ بَنِي آدَمَ بِالْعَقْلِ أَبَاحَ لَهُمْ أَكْلَ الْحَيَوَانِ قُوَّةً لِأَجْسَامِهِمْ وَتَصْفِيَةً لِمِرْآةِ عُقُولِهِمْ، وَلِيَسْتَدِلُّوا بِطِيبِ لَحْمِهَا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَلِيَتَنَبَّهُوا عَلَى أَنَّ لِلْمَوْلَى بِهِمْ عِنَايَةً إذْ آثَرَهُمْ بِالْحَيَاةِ عَلَى غَيْرِهِمْ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ

وَأَرْكَانُ الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ: الذَّابِحُ وَالْمَذْبُوحُ وَالْمَذْبُوحُ بِهِ وَالصِّفَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الذَّكَاةَ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: ذَبْحٌ وَنَحْرٌ وَعَقْرٌ، فَالذَّبْحُ، وَالنَّحْرُ لِلْحَيَوَانِ الْمُتَأَنَّسِ وَالْعَقْرُ لِلْمُتَوَحِّشِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هِيَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْعَقْرُ فِي الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ ذِي الدَّمِ وَتَأْثِيرُ الْإِنْسَانِ فِي الْجُمْلَةِ بِالرَّمْيِ فِي الْمَاءِ أَوْ قَطْعِ الرُّءُوسِ وَالْأَرْجُلِ أَوْ الْأَجْنِحَةِ فِي الْجَرَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ ذِي الدَّمِ وَذَبْحٌ فِي الْغَنَمِ وَنَحْرٌ فِي ذِي النَّحْرِ وَتَخْيِيرٌ فِي الْبَقَرِ مَعَ أَفْضَلِيَّةِ الذَّبْحِ.

وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى النَّوْعِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الذَّبْحَ مُشِيرًا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>