للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَارِّ كَالْمِرْوَحَةِ لِلْقَلْبِ وَالْوَدَجَيْنِ تَثْنِيَةُ وَدَجٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْكَبِدِ، وَيَتَّصِلَانِ بِالدِّمَاغِ، وَفَسَّرَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ الْوَدَجَيْنِ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ، وَقَدْ يُشَدَّدُ آخِرُهُ، وَلَا يُهْمَزُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: مَبْلَغُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهُوَ الْبُلْعُومُ، وَلَا خِلَافَ فِي حُصُولِ الذَّكَاةِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَالْمَرِيءِ، وَحَكَى عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْمَرِيءِ فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الذَّكَاةِ وَرَوَى أَبُو تَمَّامٍ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَطْعِهِ، وَعَزَا ابْنُ زَرْقُونٍ هَذَا الْقَوْلَ لِأَبِي تَمَّامٍ لَا لِرِوَايَتِهِ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِرِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ الْبَاجِيُّ لَا أَعْلَمُ مَنْ اعْتَبَرَهُ غَيْرَ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَرِيءِ أَوْ لَمْ يَقْطَعْ مِنْ الْوَدَجَيْنِ شَيْئًا لَمْ تُؤْكَلْ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي نَقْلِ بَعْضِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ انْتَهَى.

وَلَمْ أَرَ فِي هَذَا خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنْ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ، وَتَرَكَ الْحُلْقُومَ لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَأَخَذَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْحُلْقُومِ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ يَفْرِي أَوْدَاجَهُ، وَقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا قَدْ تَمَّتْ ذَكَاتُهُ وَقَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا ذَبَحَ ذَبِيحَةً فَقَطَعَ أَوْدَاجَهَا، ثُمَّ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَأَخَذَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَكْلِ الْمُغَلْصَمَةِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْحُلْقُومِ الْغَلْصَمَةُ وَرَدَّ عِيَاضٌ الْأَخْذَ مِنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَبْحَ الصَّيْدِ الْمَنْفُوذِ مَقْتَلُهُ إنَّمَا هُوَ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ وَخُرُوجِ دَمِهِ لَا لِذَكَاتِهِ، وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ لَا يُجْزِئُهُ، وَرَدَّهُ مَعَ الثَّانِي أَيْضًا بِأَنَّ قَطْعَ الْوَدَجَيْنِ مَعًا مُسْتَلْزِمٌ لِقَطْعِ الْحُلْقُومِ لِبُرُوزِهِ عَنْهُمَا

وَرَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الثَّالِثَ بِأَنَّ قَطْعَ مَا فَوْقَ الْجَوْزَةِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحُلْقُومِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَلَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْمَنْصُوصِ، فَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ الْحُلْقُومِ أَوْ ثُلُثَيْهِ مَعَ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ بِكَمَالِهِمَا فَنَقَلَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَنِصْفَ الْحُلْقُومِ، فَأَكْثَرَ أُكِلَتْ، وَإِنْ قَطَعَ أَقَلَّ لَمْ تُؤْكَلْ رَوَى يَحْيَى مِثْلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّجَاجَةِ وَالْعُصْفُورِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْطَعَ جَمِيعَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ النِّصْفِ مُغْتَفَرٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُغْتَفَرُ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي اغْتِفَارُ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَمَسْأَلَةَ قَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ أَوْ قَطْعِ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمُقْتَضَى الرِّسَالَةِ عَدَمُ الْأَكْلِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ: وَالذَّكَاةُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى.

(قُلْت) : فَصَدَّرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِمَذْهَبِ الرِّسَالَةِ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَأَشَارَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَشُهِرَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ مِنْ الْمُقَدَّمِ جَعَلَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ الذَّكَاةَ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ فَقَطْ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُقَدَّمِ وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ حَقِيقَةَ الذَّكَاةِ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ مِنْ الْمُقَدَّمِ فَعَلَى مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ يَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ الْمُقَدَّمِ مِنْ حَقِيقَةِ الذَّكَاةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَوَى الذَّكَاةَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَلْ صَرِيحُهُ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ

وَلَوْ ذَبَحَ مِنْ الْعُنُقِ أَوْ الْقَفَا لَمْ تُؤْكَلْ وَلَوْ نَوَى الذَّكَاةَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَوَى الذَّكَاةَ أَيْ لَا تَنْفَعُهُ النِّيَّةُ إذَا ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا أَوْ مِنْ الْعُنُقِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ مَعَ نِيَّةِ الذَّكَاةِ، فَلَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ عِنْدَ انْفِرَادِهَا كَمَا لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَحْدَهُ إذَا عَرَا عَنْ النِّيَّةِ وَكَذَا إذَا ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا فِي ظَلَامٍ وَظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَ وَجْهَ الذِّبْحِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ إلَى إبَاحَةِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا انْتَهَى.

وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا، فَأَمَّا لَوْ ذَهَبَ يَذْبَحُ فَأَخْطَأَ

<<  <  ج: ص:  >  >>