للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَرَبَ أَجَلًا هُوَ عَلَى بِرٍّ، فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْبِرِّ، وَإِذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ وَعَزَمَ عَلَى الْحِنْثِ قَوِيَ الْعَزْمُ بِمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَهُ وَهُوَ الْحِنْثُ وَتَظَاهَرَ عَلَيْهِ فَوَقَعَ الْحُكْمُ وَهَا هُنَا تَعَارَضَا فَالْبِرُّ عَكْسُ الْحِنْثِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي مَدَارِكِ الْحِنْثِ وَالْبِرِّ: السَّادِسُ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ، وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ يُقَيَّدُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى ضِدِّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْعَزْمِ فِي الْبِرِّ مَا سَيَأْتِي فِيمَنْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ فُلَانًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْكِتَابُ، وَكَمَا إذَا كَلَّمَ شَخْصًا يَظُنُّهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى ضِدِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْبِرِّ لَمَّا تَصَوَّرَ إخْرَاجَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ إذَا كَانَتْ عَلَى بِرٍّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأُمِّ فِيمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ أَجَلًا أَوْ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ أَجَلًا قَالَ: إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَلِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا يَضْرِبُ فُلَانًا، وَإِنْ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ؛ لِأَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ إلَى آخِرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا مُرَادُ ابْنِ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى بِرٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

. ص (وَبِالنِّسْيَانِ أَنْ أُطَلِّقَ)

ش: وَكَذَا الْجَهْلُ وَالْخَطَأُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ: وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَهْلَ وَالْخَطَأَ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ كَالْعِلْمِ وَالْعَمْدِ، سَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ الْحَقَّ رَبَّهُ يَوْمَ الْفِطْرِ فَكَانَ بِمَوْضِعِهِ يَوْمَ السَّبْتِ فَقَضَاهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبْتُ مِنْ الْحَاضِرَةِ أَنَّهُ الْجُمُعَةُ حَنِثَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ. مَنْ حَلَفَ لَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ حَنِثَ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا نَائِمًا لَا يَشْعُرُ كَالنَّاسِي ابْنُ عَرَفَةَ النَّاسِي مُفَرِّطٌ عَاقِلٌ وَالنَّائِمُ غَيْرُ عَاقِلٍ الْعُتْبِيُّ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَحْنَثُ فِي لَا آخُذُ مِنْ فُلَانٍ دِرْهَمًا فَأَخَذَ مِنْهُ ثَوْبًا فِيهِ دِرْهَمٌ فَرَدَّهُ حِينَ عِلْمِهِ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَقَوْلِهِ فِيمَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَالٌ وَرِثَهُ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلِابْنِ كِنَانَةَ كَأَصْبَغَ فِيمَا لَا يَسْتَرْفِعُ فِيهِ الدَّرَاهِمَ، وَعَلَى قَوْلِ سَرِقَتِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَسْتَرْفِعُ فِيهِ وَمَا لَا، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ: عَدَمُ الْحِنْثِ لِرَعْيِ الْقَصْدِ، وَالْحِنْثُ لِرَعْيِ اللَّفْظِ دُونَهُ، وَالثَّالِثُ اسْتِحْسَانٌ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْيَمِينُ إنْ قُيِّدَتْ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الدَّارَ عَمْدًا، أَوْ لَا أَدْخُلُهَا إلَّا أَنْ أَنْسَى، فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي النِّسْيَانِ، وَإِنْ أُطْلِقَتْ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْحِنْثُ بِالنِّسْيَانِ، وَذَهَبَ السُّيُورِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي جَمْعٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى عَدَمِ الْحِنْثِ، وَخُرِّجَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْحَالِفِ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَنَّ يَوْمًا مُعَيَّنًا، فَأَصْبَحَ فِيهِ صَائِمًا، ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فَهِمَ جَمَاعَةٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَخُرِّجَ الْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَرُدَّ لَعَلَّهُ يُرِيدُ لَا قَضَاءَ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، انْتَهَى. وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ وَجَعَلَهَا جَارِيَةً عَلَى الْأُصُولِ وَنَصُّهُ فِي رَسْمِ سَلَفَ دِينَارًا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: إنَّمَا قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ نَاسِيًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ دَحُونٍ إنَّهَا مَسْأَلَةٌ حَائِلَةٌ وَالْحِنْثُ يَلْزَمُهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُوجِبُونَ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ السَّمَاعِ نَفْسِهِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ إنَّمَا قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا أَيْ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا لِيَمِينِهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>