للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنْكَرَا فِعْلَهُمَا وَسَأَلَا عَنْ ذَلِكَ أَهْلَ الْفَتْوَى فَأَفْتَوْهُمَا بِفَسَادِ أَفْعَالِهِمَا وَأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ وَأَنَّ أَوْلَادَهُمَا لِغَيْرِ رِشْدَةٍ، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ زَوْجَ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ مَاتَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ؛ فَلَمْ يَرِثْ الْأَوْلَادُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَأُخِذَتْ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ وَفُرِّقَتْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَأَفْتِنَا وَفَّقَك اللَّهُ فِي فِعْلِهِمَا أَوَّلًا مِنْ زَوَاجِهِمَا بَعْدَ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَفِي طَلَاقِهِمَا وَارْتِجَاعِهِمَا بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَى آخِرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِمَا وَفِي مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْوَالِدِ هَلْ يَجِبُ لَهُمْ مِيرَاثٌ أَمْ لَا يَجِبُ؟ بَيِّنْ لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ لَهُمْ الْمِيرَاثُ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُفْتَيَيْنِ ضَمَانُ مَا تَصَدَّقُوا بِهِ أَمْ لَا؟ وَهَذَانِ الزَّوْجَانِ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا كَالْحُكْمِ عَلَى الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ لَا يَتَرَاجَعَانِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ أَمْ يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا وَاحِدًا؟ بَيِّنْ لَنَا ذَلِكَ أَيْضًا.

فَأَجَابَ: تَصَفَّحْت السُّؤَالَ وَوَقَفْت عَلَيْهِ وَالنِّكَاحُ الْأَوَّلُ الَّذِي وَقَعَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الزِّنَا فَاسِدٌ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ طَلَاقٌ فَتَكُونُ مُفَارَقَتُهُ إيَّاهَا فِيهِ بِطَلَاقٍ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَالنِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحٌ يَلْحَقُهُ فِيهِ الطَّلَاقُ فَإِنْ كَانَ وَقَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ، وَإِنْ كَانَ وَقَعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ وَالْمِيرَاثِ إنْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي طَلَّقَهَا بَائِنًا، وَأَمَّا الْأَوْلَادُ فَلَاحِقُونَ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَجِبُ لَهُمْ الْمِيرَاثُ مِنْهُ وَيَلْزَمُ مَنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ ضَمَانُهُ، وَأَمَّا الْمُفْتُونَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الْغُرُورِ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى مَنْ اسْتَفْتَاهُمْ وَتَسَوَّرَ عَلَى مِيرَاثِهِمْ بِفَتْوَاهُمْ فَتَصَدَّقَ بِهِ دُونَ ثَبْتٍ وَلَا أَمْرٍ وَاجِبٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى.

قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ: يُرِيدُ الشَّيْخُ: النِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحٌ إذَا كَانَ بَعْدَ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الزِّنَا وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ لِعَقْدِهِ يَفْتَقِرُ لِلِاسْتِبْرَاءِ كَالزِّنَا وَكَذَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَكَذَا رَأَيْتُ لِابْنِ الْحَاجِّ قَالَ: أَجَابَ مُحَمَّدٌ بْنُ أَصْبَغَ إنْ كَانَتْ مُرَاجَعَتُهُ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ؛ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلْيُفَارِقْ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، ثُمَّ يَنْكِحْهَا بَعْدَ ذَلِكَ نِكَاحًا صَحِيحًا إنْ أَحَبَّا وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْحَاجِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَمَا أَفْتَى بِهِ مِنْ لُحُوقِ الْوَلَدِ بِكُلِّ حَالٍ مَعْنَاهُ: إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عَقْدِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَأَكْثَرَ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَلَا مِيرَاثَ؛ لِأَنَّهُ لِلزِّنَا إلَّا عَلَى طَرِيقَةِ الدَّاوُدِيِّ إذَا صَانَهَا مِنْ غَيْرِهِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ انْتَهَى، ثُمَّ نَقَلَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ الْكُرَّاسِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَيَتَخَرَّجُ فِي تَأْبِيدِ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إذَا طَرَأَ النِّكَاحُ عَلَى الْمَاءِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ انْتَهَى فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُسْتَبْرَأَةً مِنْ زِنَاهُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَبْتُوتَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فِيمَنْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ الرَّجْعِيَّةَ فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يَنْوِ الرَّجْعَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَلَا تَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ إلَّا فِي بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ الْأُولَى فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى فَلَا يَتَزَوَّجُهَا هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الِاسْتِبْرَاءُ فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ نِكَاحُهُ وَلَا تَحْرُمُ أَبَدًا كَمَا أُحَرِّمُهَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّتُهُ وَلَيْسَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي مَائِهِ سَوَاءً، وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصِيبِ فِي الْعِدَّةِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ: هَلْ التَّحْرِيمُ لِتَعْجِيلِ النِّكَاحِ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَجَلَهُ، أَوْ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ؟

وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى اخْتَلَفُوا فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ فِي عِدَّتِهَا انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ: وَعَلَى إلْغَاءِ وَطْئِهِ دُونَ نِيَّةٍ رَوَى مُحَمَّدٌ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْإِشْهَادِ وَلَا يَطَؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>