للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُرٌّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا سَمَّاهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ، قَالَ: تَرِثُهُ امْرَأَتُهُ وَيُعْتَقُ الْغُلَامُ فِي ثُلُثِهِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا هُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَهُ الْمَرْأَةُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ وَأَنْ يُعْتَقَ الْغُلَامُ فِي الثُّلُثِ عَلَى حُكْمِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ احْتِيَاطًا لِلْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَيْضًا لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ فِي حَيَاتِهِ لَخُيِّرَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ إذْ قَدْ اسْتَثْنَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا وَقَعَ عَلَى نَفْسِهِ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْعِتْقَ إذْ لَا يُطَلِّقُ أَحَدٌ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ وَرَثَتَهُ يَنْزِلُونَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي التَّخْيِيرِ مَنْزِلَتَهُ فِي حَيَاتِهِ لَكَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْعِتْقُ لَا يَكُونُ إلَّا بِيَقِينٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ (قُلْت) هَذَا وَهْمٌ لِأَنَّ لَازِمَ تَخْيِيرِهِ هُوَ إيقَاعُهُ الطَّلَاقَ بَدَلَ الْعِتْقِ وَهَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ مُمْتَنِعٌ وَالْأَصْلُ فِي الْفِقْهِ وَالْبُرْهَانِ أَنَّ انْتِفَاءَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ فِيهِمَا مُوجِبٌ تَعَيُّنَ الْآخَرِ كَتَعَذُّرِ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ يُوجِبُ الْإِطْعَامَ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ انْتِفَاءُ أَحَدِ جُزْأَيْ الْحَقِيقَةِ الْمُنْفَصِلَةِ يُنْتِجُ ثُبُوتَ الْآخَرِ، انْتَهَى.

ص (وَإِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَصُدِّقَ إنْ ذَكَرَ فِي الْعِدَّةِ)

ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (مَسْأَلَةٌ) إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ فَادَّعَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ وَأَنْكَرَ، قَالَهُ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ فِي هَذِهِ أَيْضًا إنَّ الْيَمِينَ تُغَلَّظُ بِالْحَلِفِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَهِيَ أَحْرَى مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَرْجِ أَكْثَرُ حُرْمَةً مِنْ الْمَالِ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا إنَّ شَهَادَةَ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا تَجُوزُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

ص (وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ الدَّارَ فَحَلَفَ الْآخَرُ لَا دَخَلْت حَنِثَ الْأَوَّلُ)

ش: قَوْلُهُ حَنِثَ الْأَوَّلُ أَيْ صَانِعُ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَيْسَ بِيَدِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: حَنِثَ الصَّانِعُ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هَذَا الثَّانِي فِي الْحَلِفِ كَمَا لَوْ سَأَلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ إنْسَانًا أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ أَوْ يَأْكُلَ طَعَامَهُ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَوْ لَا يَأْكُلُ فَحَلَفَ صَاحِبُ الطَّعَامِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ أَوْ يَأْكُلَ فَإِنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ يَحْنَثُ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ رَأَى الْمَسْأَلَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَحْرَى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ]

(فُرُوعٌ. الْأَوَّلُ) قَالَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ يَعْنِي تَرْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي، وَقَالَ: أَنْتِ حَرَامٌ إنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْكِ حَتَّى تَسْتَأْذِنِي عَلَيَّ، وَقَالَتْ هِيَ مَالِي صَدَقَةٌ إنْ اسْتَأْذَنَتْ عَلَيْكَ، قَالَ مَالِكٌ: الْيَمِينُ عَلَيْهَا فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تُقِيمَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَتْ فَإِنْ اسْتَأْذَنَتْ فَلْتُخْرِجْ ثُلُثَ مَالِهَا فَتَتَصَدَّقْ بِهِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ اسْتَأْذَنَتْ فَهَلْ عَلَى زَوْجِهَا بَأْسٌ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ قُوتِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ اسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ عَلَى الْأَفْضَلِ إذْ لَيْسَ مِمَّا يُسْتَأْذَنُ عَلَيْهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ فِي الْإِنْفَاقِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَفْضَلِ، انْتَهَى.

[الفرع الثَّانِي حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَتَفْعَلِنَّ شَيْئًا وَحَلَفَتْ أَلَّا تَفْعَلَهُ]

(الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَّلِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ: وَسُئِلَ أَبُو الْحَجَّاجِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَمَّنْ لَهُ حُلِيٌّ وَثِيَابٌ فَكَسَاهُمَا زَوْجَتَهُ ثُمَّ شَاجَرَهَا فَأَزَالَهُمَا ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ثُمَّ شَاجَرَهَا فَأَزَالَهُمَا ثُمَّ أَعَادَهُمَا وَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَحَلَفَتْ بِصَوْمِ الْعَامِ لَا لَبِسَتْهُمَا وَحَلَفَ هُوَ بِالطَّلَاقِ لَتَلْبَسِنَّهُمَا فَمَنْ يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ مِنْهُمَا وَهَلْ يَلْزَمُهَا إنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ تَحْنَثُ بِهَذَا الْإِكْرَاهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَأَرَى أَنْ لَا يَمْنَعَهَا مِنْ الصَّوْمِ، الْبُرْزُلِيُّ، كَانَ الْإِكْرَاهُ عِنْدَهُ غَيْرَ شَرْعِيٍّ فَلِمَ لَمْ يَعْذِرْهَا بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا تُعْذَرُ بِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>