للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظِّهَارُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي عِيَاضٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ، وَكَنَّى بِهِ عَنْ الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكُوبٌ لِلْمَرْأَةِ كَمَا يَرْكَبُ ظَهْرَ الْمَرْكُوبِ لَا سِيَّمَا، وَعَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْعَرَبِ، وَغَيْرُهُ الْمُجَامَعَةُ عَلَى حَرْفٍ مِنْ جِهَةِ الظَّهْرِ، وَيَسْتَقْبِحُونَ سِوَاهُ ذَهَابًا إلَى السِّتْرِ وَالْحَيَاءِ وَالْخَفَاءِ، وَأَنْ لَا تَجْتَمِعَ الْوُجُوهُ حِينَئِذٍ، وَأَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَهِيَ كَانَتْ سِيرَةُ الْأَنْصَارِ حَتَّى نَزَلَ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا انْتَهَى.

، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ طَلَاقًا حَتَّى أَتَتْ خُوَيْلَةَ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ «تَشْكُو زَوْجَهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَقُولُ ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، وَجَادَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» انْتَهَى.

، وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ أَنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الظِّهَارَ، وَالْإِيلَاءَ طَلَاقٌ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ.

قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالظِّهَارُ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ، وَجَلَّ فَقَالَ {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: ٢] ، وَلِنَصِّهِ فِي الْآيَاتِ عَلَى أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَزُورٌ، وَلِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: ٢] الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَيُؤَدَّبُ مَنْ ظَاهَرَ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَاضِي، هُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَزُورٌ وَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ يُؤَدَّبُ الْمُظَاهِرُ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ قَبْلَ قَوْلِهَا رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ الظِّهَارُ يَمِينٌ تُكَفَّرُ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وَالْكَرَاهَةُ أَرْجَحُ انْتَهَى، وَحَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ الظِّهَارُ تَشْبِيهُ زَوْجٍ زَوْجَهُ أَوْ ذِي أَمَةٍ حَلَّ وَطْؤُهُ بِمُحَرَّمٍ إيَّاهَا عَجَزَ مِنْهُ أَوْ بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي تَمَتُّعِهِ بِهَا، وَالْجُزْءُ كَالْكُلِّ، وَالْمُعَلَّقُ كَالْحَاصِلِ، وَأَصْوَبُ مِنْهُ تَشْبِيهُ حِلِّ مُتْعَةٍ حَاصِلَةٍ أَوْ مُقَدَّرَةٍ بِآدَمِيَّةٍ إيَّاهُ أَوْ جُزْأَهَا بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بِمَنْ حَرُمَ أَبَدًا أَوْ جُزْءٍ فِي الْحُرْمَةِ فِيهَا مَنْ قَالَ أَنْتِ مِثْلُ قَدَمِ أُمِّي، وَنَحْوُهُ مُظَاهِرٌ، وَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مُظَاهِرٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَشْبِيهُ مَنْ يَجُوزُ، وَطْؤُهَا بِمَنْ يَحْرُمُ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِقَوْلِهَا.

قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَفُلَانَةٍ، فَهِيَ الْبَتَاتُ، وَعَكْسُهُ بِتَشْبِيهِ الْجُزْءِ انْتَهَى، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ السَّيِّدُ، وَالزَّوْجُ، وَتَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ.

، وَشَرْطُ الْمُظَاهِرِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَيْ زَوْجًا مُسْلِمًا، وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ سَفِيهًا فَإِذَا أُلْزِمَ الْعَبْدُ أَوْ السَّفِيهُ الظِّهَارَ فَحُكْمُ الْعَبْدِ يَأْتِي، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ وَلِيَّهُ يَنْظُرُ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَامْتَنَعَ وَلِيُّهُ مِنْ التَّكْفِيرِ عَنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ الصِّيَامُ، فَإِذَا طَلَبَتْهُ امْرَأَتُهُ بِالْوَطْءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ، وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ إذَا امْتَنَعَ، وَلِيُّهُ لَهُ أَنْ يَصُومَ، وَلَا يُطَلِّقَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ.

، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَإِذَا ظَاهَرَ السَّفِيهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِالْعِتْقِ عَاجِزٌ عَنْ الصِّيَامِ كَانَ الْأَمْرُ إلَى، وَلِيِّهِ فَإِنْ رَأَى أَنَّ الْعِتْقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الطَّلَاقِ أَمَرَهُ بِالْعَوْدَةِ، وَأَعْتَقَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُجْحِفُ بِمَالِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْيَمِينُ بِالظِّهَارِ أَوْ يَكُونُ مِطْلَاقًا فَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ، وَطَلَّقَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ، وَكَانَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَقُومَ بِالطَّلَاقِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ إلَى تَمَامِ الْأَجَلِ لَا يُفِيدُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ إنْ، وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَاخْتُلِفَ إذَا امْتَنَعَ الْعِتْقُ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ، فَقِيلَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ، وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَصُومَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعْسِرِ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ انْتَهَى، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ صَامَ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّوْمِ، فَإِنْ أَبَى، فَهُوَ مُضَارٌّ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ فِي الظِّهَارِ]

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ: تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ كَلَفْظَةِ مِثْلُ أَوْ الْكَافُ فَيَقُولُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي، وَأَمَّا لَوْ حَذَفَ الْأَدَاةَ فَقَالَ أَنْتِ أُمِّي لَكَانَ خَارِجًا عَنْ الظِّهَارِ، وَيَرْجِعُ إلَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَصَّ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى أَنَّهُ مُظَاهِرٌ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ ظَاهَرَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا كَفَّارَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>