للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَنْظُرُ حِينَئِذٍ بِالْفِرَاقِ مِنْهُ بِالْوَاجِبِ، وَالشُّهُودُ غَيْرُ الْمَقْبُولِينَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ.

وَالْقَوْلُ عَلَى إقْرَارِهَا، وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَذْهَبَيْنِ.

(قُلْت) الْأَصْلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ تَبْعِيضُ الدَّعْوَى وَإِجْمَالُهَا فَابْنُ الْقَاسِمِ يُبَعِّضُ الدَّعْوَى فَيُصَيِّرُهُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا وَأَشْهَبُ لَا يُؤَاخِذُهُ وَلَا بِجُمْلَةِ كَلَامِهِ، وَسُئِلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقْدُمُ الْمَدِينَةَ مَعَ الْحَاجِّ وَتَقُولُ خِفْت الْعَنَتَ وَأَرَدْتُ التَّزْوِيجَ، وَلَا يُعْلَمُ هَلْ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا إلَّا مِنْ قَوْلِهَا، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْقَدْرِ وَالْأَوْلِيَاءِ هَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ أَمْ لَا.؟ فَأَجَابَ تُزَوَّجُ، وَلَا تُطْلَبُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا إذَا كَانَتْ غَرِيبَةً بَعِيدَةَ الْوَطَنِ، وَأُحِبُّ السُّؤَالَ لِأَهْلِ مَعْرِفَتِهَا وَبَلَدِهَا مِمَّنْ مَعَهَا فِي الرُّفْقَةِ سُؤَالًا مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِ شَهَادَةٍ، فَإِنْ اسْتَرَابَ تَرَكَ تَزْوِيجَهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا وَلَيْسَتْ كَمَنْ مَكَانُهَا قَرِيبٌ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَا يُتَّقَى مِنْ زَوْجٍ يَكُونُ لَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُ قَوْلِهَا لَمْ يُزَوِّجْهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ: الرَّجُلُ يَأْتِي بِامْرَأَةٍ وَمَعَهُ صَدَاقٌ فَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الصَّدَاقِ أَنَّهُ حَقٌّ قِبَلِي لِزَوْجَتِي هَذِهِ، وَقَدْ ضَاعَ صَدَاقُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى أَصْلِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَلْيُشْهِدْ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَيْ لَا يَكُونَ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغُرَبَاءِ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ الْوَاضِحَةِ، وَقَالَ فِيهَا: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقُومُ مَعَ الْحَاجِّ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ لَيْسَتْ هَذِهِ كَالْحَضَرِيَّةِ، وَلَا الَّتِي مَكَانُهَا قَرِيبٌ، انْتَهَى. وَمِنْ الْبُرْزُلِيِّ قَالَ الْغَرْنَاطِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فِي تَجْدِيدِ الصَّدَاقِ: يَذْكُرُ إشْهَادَ الزَّوْجِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ زَوْجَتَهُ ذَكَرَتْ لَهُ تَلَفَ صَدَاقِهَا وَسَأَلَتْهُ تَجْدِيدَهُ وَأَجَابَتْهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِقْرَارُهُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ وَتَضْمَنُهُ مَعْرِفَةُ الزَّوْجِيَّةِ وَاتِّصَالُهَا إلَى حِينِ الْإِشْهَادِ فِي غَيْرِ الْغَرِيبِينَ، وَيَذْكُرُ إشْهَادَ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي التَّالِفِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ.

وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقْدُمُ بَلَدًا، وَلَا يُدْرَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ قَدِمَتْ، وَلَا مَنْ هِيَ، وَتَطْلُبُ التَّزْوِيجَ فَهَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ إثْبَاتٍ مُوجِبٍ.؟ وَكَذَا لَوْ زَعَمَتْ أَنَّهُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا.؟ فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا كَتَبَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَتَعَذَّرُ وُصُولُ الْجَوَابِ أَوْ يَكُونُ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ طَوِيلَةٍ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا تُرِيدُهُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهَا، وَسُئِلَ الصَّائِغُ عَنْ طَارِئَةٍ عَلَى بَلَدٍ تَأْتِي لِقَاضِيهِ فَتَذْكُرُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا غَابَ عَنْهَا فِي بَلَدِهَا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَأَخْرَجَتْ صَدَاقَهَا مَجْهُولَ الشُّهُودِ وَاسْمَ زَوْجٍ مَجْهُولٍ، وَلَا يَعْرِفُ صِدْقَهَا مِنْ كَذِبِهَا، وَقَدْ شَكَتْ الضَّيْعَةَ وَأَنَّهَا إنْ بَقِيَتْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَحَالُهَا الْفَقْرُ فَهَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ.؟ جَوَابُهَا لِلْمَازِرِيِّ كَذَا فِي هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي اخْتَصَرْت مِنْهُ قَالَ: يَنْظُرُ فِي حَالِهَا وَيَتَثَبَّتُ فِيهِ وَيَتَلَوَّمُ حَتَّى يُؤْنِسَ مَعْرِفَةَ صِدْقِهَا أَوْ كَذِبِهَا مِنْ حَالِ الزَّوْجِ وَمَكَانِهِ وَلَا مَالَ لَهُ، أَوْ يَثْبُتُ كَوْنُهَا طَارِئَةً مِنْ مَكَان بَعِيدٍ يَتَعَذَّرُ كَشْفُ حَالِ زَوْجِهَا فَتَحْلِفُ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ فِي هَذَا، وَعَلَى صِدْقِهَا مِمَّا ذَكَرَتْ وَيُوقِعُ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ لِي، انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ فِي الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطِ صِدْقِ الْمُدَّعِي مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ فِي الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى لِابْنِ عَبْدِ النُّورِ، قَالَ: سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ طَارِئَةٍ عَلَى بَلَدٍ قَامَتْ عَلَى قَاضِيهِ فَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا غَابَ عَنْهَا فِي بَلَدِهَا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، وَلَا يَعْلَمُ صِدْقَهَا مِنْ كَذِبِهَا، وَشَكَتْ الضَّيْعَةَ فَمَا تَرَى فِي أَمْرِهَا هَلْ تَطْلُقُ وَتُزَوَّجُ أَمْ لَا.؟

فَأَجَابَ تَثَبَّتَ فِي أَمْرِهَا حَتَّى يُؤَيِّسَ مِنْ الْعُثُورِ عَلَى صِدْقِهَا مِنْ كَذِبِهَا أَوْ تُثْبِتَ كَوْنَهَا طَارِئَةً مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْكَشْفُ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ فَتُسْتَحْلَفُ حِينَئِذٍ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَنَّهَا صَادِقَةٌ فِيمَا ذَكَرَتْ، وَيُوقِعُ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا وَيَكْتُبُ لَهَا الْحَاكِمُ أَنَّهُ أَوْقَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>