للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ لَهَا: أَنَا أُؤَدِّي عَنْهُ النَّفَقَةَ، وَلَا سَبِيلَ لَكِ إلَى فِرَاقِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: لَهَا أَنْ تُفَارِقَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ قَدْ وَجَبَ لَهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا مَقَالَ لَهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ النَّفَقَةِ الَّذِي أَوْجَبَ لَهَا الْقِيَامَ قَدْ انْتَفَى.

(قُلْت) وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ الْمُنَاصَفِ إلَى هَذَا فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: قِيَامُ الزَّوْجَةِ فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِتَرْجِعَ بِمَا تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَفَائِدَتُهُ قَبُولُ قَوْلِهَا مِنْ حِينِ الدَّفْعِ. الْوَجْهُ الثَّانِي لِتُطَلِّقَ نَفْسَهَا لِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ، فَإِذَا أَثْبَتَتْ الزَّوْجِيَّةَ وَالْمَغِيبَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا شَيْئًا وَلَمْ يَخْلُفْ مَا يُعَدَّى فِيهِ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ بِالنَّفَقَةِ عَنْهُ وَدَعَتْ إلَى الطَّلَاقِ إلَى آخِرِهِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِإِجْرَاءِ النَّفَقَةِ يُسْقِطُ مَقَالَهَا كَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْمُدَوَّنَةُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ، انْتَهَى بِلَفْظِهِ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي أَوَّلِ الْقَضَاءِ فِي مَسَائِلِ الْغَائِبِ مَا نَصُّهُ: مَمْلُوكَةٌ غَابَ سَيِّدُهَا وَأَثْبَتَتْ عَدَمَهُ فِي مِلْكِهِ لَهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ عِنْدَهَا شَيْئًا، وَلَا بَعَثَهُ إلَيْهَا، وَلَا مَالَ لَهَا تُنْفِقُهُ، وَلَا لَهُ مَالٌ تَعَدَّى فِيهِ فِي عِلْمِ مَنْ شَهِدَ بِذَلِكَ فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِبَيْعِهَا وَيُقْبَضُ ثَمَنُهَا لِلْغَائِبِ وَيُوقِفُهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أُمُورٍ تَتَوَقَّفُ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى إثْبَاتِ فُصُولٍ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَلَا لَهَا مَالٌ تُنْفِقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا خَرَاجٌ عَلَيْهَا الْأَكْلُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ وَتَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهَا، وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ الْمُتَقَدِّمِ مَا نَصُّهُ: تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُكَلِّفَهَا أَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِثْلُهَا لِتُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَقَالَ ابْن عَتَّابٍ مِثْلَهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا سَيِّدُهَا، وَالْمَمْلُوكَةُ أَحْرَى، انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ.

[فَرْعٌ أُمَّ وَلَدٍ غَابَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَأَثْبَتَتْ مَغِيبَهُ]

فَرْعٌ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَّ وَلَدٍ غَابَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَأَثْبَتَتْ مَغِيبَهُ؛ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَتَلَوَّمُ لِسَيِّدِهَا الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ يُنْجِزُ عِتْقَهَا عَلَى الْغَائِبِ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَالْقُرَشِيُّ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ زِيَادٍ، وَقَالَ ابْنُ الشَّقَّاقِ وَابْنُ الْعَطَّارِ لَا تُعْتَقُ وَتَسْعَى فِي مَعَاشِهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ: وَتَبْقَى حَتَّى يَصِحَّ مَوْتُ سَيِّدِهَا أَوْ يَنْقَضِيَ تَعْمِيرُهُ ابْنُ سَهْلٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِ أَشْهَبَ إذَا عَجَزَ الرَّجُلُ عَنْ نَفَقَاتِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَهُنَّ بِمَنْزِلَةِ أَزْوَاجِهِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِأَمْرِهِنَّ فَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ شَهْرٌ وَنَحْوُهُ؛ فَإِنْ وَجَدَ لَهُنَّ أَدْنَى مَا يَكْفِي وَإِلَّا أُعْتِقْنَ عَلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ، قُلْتُ لِابْنِ عَتَّابٍ هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ إذَا حُكِمَ بِعِتْقِهَا، قَالَ: تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ، قُلْت: وَهَلْ عَلَيْهَا يَمِينٌ أَنَّ سَيِّدَهَا لَمْ يَخْلُفْ عِنْدَهَا شَيْئًا، وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهَا شَيْئًا كَمَا يَلْزَمُ زَوْجَةُ الْغَائِبِ، قَالَ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَبِذَلِكَ أَفْتَيْتُ لِطُولِ أَمَدِ الْمَغِيبِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ فَقِيلَ تُزَوَّجُ وَلَا تُعْتَقُ، وَقِيلَ: تُعْتَقُ، وَكَذَا إنْ غَابَ سَيِّدُهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَانْظُرْ تَمَامَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ مَا يَكْفِيهِ فِي نَفَقَةٍ أَوْ أَعْسَرَ السَّيِّدُ بِهَا عَتَقَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا حُكْمُ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِالرَّجْعَةِ مَعَ عَدَمِ الْيَسَارِ]

ص (وَلَهُ الرَّجْعَةُ إنْ وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَارًا)

ش: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ، فَلَوْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِالرَّجْعَةِ مَعَ عَدَمِ الْيَسَارِ كَانَتْ رَجْعَةً، قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي السُّلَيْمَانِيَّة لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ.

(فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقَدْرِ الزَّمَانِ الَّذِي إنْ أَيْسَرَ بِهِ كَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ أَيْسَرَ بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيِّنٍ قُوتُ نِصْفِ شَهْرٍ فَأَكْثَرَ، وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا وَجَدَ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا لَمْ يُطَلَّقْ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَتَنَزَّلَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ عَلَى مَا إذَا ظَنَّ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى مُدَاوَمَةِ النَّفَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

(الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْبَيَانِ: إذَا قَدَرَ أَنْ يُجْرِيَهَا مُيَاوَمَةً وَكَانَ يُجْرِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ كَذَلِكَ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ كَانَ يُجْرِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ مُشَاهَرَةً فَاخْتُلِفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>