للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُضْطَرِبِينَ وَأَنَا أَكْشِفُ عَنْ سِرِّهِ لِيَهُونَ عَلَيْك اخْتِلَافُهُمْ فَإِنْ كَانَ جُلُّ الْمَنَافِعِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا مُحَرَّمًا، وَالْمُحَلَّلُ مِنْهَا تَبَعًا فَوَاضِحٌ إلْحَاقُهُ بِالْقَسَمِ الْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ تَمْثِيلُ ذَلِكَ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ فَإِنَّ جُلَّ مَنَافِعِهِ كَالْأَكْلِ، وَالِادِّهَانِ، وَعَمَلِهِ صَابُونًا وَالْإِيقَادِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ إنَّمَا فِيهِ إيقَادُهُ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، وَانْتِفَاعِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّبَعِ فَامْتَنَعَ بَيْعُهُ، وَفِي أَوَاخِرِ كَلَامِ الْمَازِرِيُّ تَمْثِيلُهُ لِذَلِكَ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ قَالَ: فَالْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْض الْمَنَافِعِ مُحَلَّلَةً عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَالَ: وَيُلْحَقُ بِهَذَا الْمَعْنَى بِيَاعَاتُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ الْبَيْعُ فَتَصِيرُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى غَيْرِ مُنْتَفَعٍ بِهِ، وَيُلْحَقُ بِالْقَسَمِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَصْلًا لَكِنَّ ذَلِكَ عَدَمُ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ تَحْقِيقًا، وَفِي هَذَا تَقْدِيرًا، وَتَجْوِيزًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَ جُلُّ الْمَنَافِعِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا مُحَلَّلًا، وَالْمُحَرَّمُ تَبَعٌ فَوَاضِحٌ إلْحَاقُهُ بِالثَّانِي، وَيُمْكِنُ تَمْثِيلُهُ بِالزَّبِيبِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ مِنْهُ الْخَمْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُهُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَلَّلٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَسَائِرُ مَنَافِعِهِ مُحَلَّلَةٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَهَذَا هُوَ الْمُشْكِلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَمْنُوعِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَقْصُودَةً يُؤْذِنُ بِأَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَأَنَّ الْعَقْدَ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا كَمَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا سِوَاهَا، وَهُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ لَا سَبِيل إلَى تَبْعِيضِهِ وَالتَّعَاوُضُ عَلَى الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعٌ فَمُنِعَ الْكُلُّ لِاسْتِحَالَةِ التَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَصِيرُ ثَمَنُهُ مَجْهُولًا لَوْ قُدِّرَ جَوَازُ انْفِرَادِهِ انْتَهَى. وَجَزَمَ ابْنُ شَاسٍ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَقْصُودَةَ إذَا كَانَ بَعْضُهَا مُحَلَّلًا وَبَعْضُهَا مُحَرَّمًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَنَصُّهُ، وَإِنْ تَوَزَّعَتْ يَعْنِي الْمَنَافِعَ الْمَقْصُودَةَ فِي النَّوْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ مَا حُرِّمَ مِنْهَا مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَطَّرِدُ فِي كَوْنِ الْمُحَرَّمِ مَنْفَعَةً وَاحِدَةً مَقْصُودَةً كَمَا يَطَّرِدُ فِي كَوْنِ الْمَنَافِعِ بِأَسْرِهَا مُحَرَّمَةٌ، وَهَذَا النَّوْعُ، وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَمِلْكُهُ صَحِيحٌ لِيَنْتَفِعَ مَالِكُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ مَنَافِعَ مُبَاحَةٍ انْتَهَى. وَعَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ ظَاهِرٌ الْمَازِرِيِّ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فَرْعٌ لَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ، وَوَقَعَ الِالْتِبَاسُ فِي كَوْنِهَا مَقْصُودَةً فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقِفُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُ، وَلَا يُحَرِّمُ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: بِأَثَرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي هَذَا النَّوْعِ مَسَائِلُ تَشْكُلُ عَلَى الْعَالِمِ فَيَخْلِطُ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِ فِكْرَتِهِ فَيَرَى الْمَنْفَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ مُلْتَبِسًا أَمْرُهَا هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ أَمْ لَا وَيَرَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مُحَلَّلَةً فَيَمْتَنِعُ مِنْ التَّحْرِيمِ لِأَجْلِ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَنَافِعِ مُحَلَّلًا، وَلَا يَنْشَطُ لِإِطْلَاقِ الْإِبَاحَةِ لِأَجْلِ الْإِشْكَالِ فِي تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ أَمْ لَا فَيَقِفُ هُنَا الْمُتَوَرِّعُ، وَيَتَسَاهَلُ آخَرُ وَيَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ لِلِالْتِبَاسِ، وَلَا يُحَرِّمُ فَاحْتَفِظْ بِهَذَا الْأَصْلِ فَإِنَّهُ مِنْ مُذَهَّبَاتِ الْعِلْمِ، وَمَنْ أَتْقَنَهُ عِلْمًا هَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَسَائِلِ الْخِلَافِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَفْتَى، وَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي دِينِ اللَّهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاحْتَرَزَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ أَشْرَفَ مِمَّا إذَا بِيعَ قَبْلَ أَنْ يُشْرِفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ كَانَ مَرَضُهُ مَخُوفًا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَحَامِلٌ مُقَرَّبٌ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ أَشْرَفَ أَنَّهُ بَلَغَ حَدَّ السِّيَاقِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُحَرَّمٌ مِنْ مُبَاحِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِيُذَكَّى فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَتَبِعَهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ، وَنَصِّ ابْنِ مُحْرِزٍ مَنْعُ بَيْعِ مَنْ فِي السِّيَاقِ وَلَوْ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ لِلْغَرَرِ فِي حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ حَيَاتِهِ أَوْ صَيْرُورَتِهِ لَحْمًا، وَفِي حُصُولِ ذَكَاتِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ حَرَكَتِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ انْتَهَى. فَالصَّوَابُ فِي إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ، وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ، وَهُوَ أَحْسَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>