للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا بِدِينَارٍ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَلَا بِدَرَاهِمَ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَخْسُ فِي الْعُرْفِ عَلَى رَبِّ الطَّعَامِ فَتَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ فِي ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ دَحُونٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. نُقِلَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ بِلَفْظٍ، رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يُبْضِعُ مَعَ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ لَهُ طَعَامًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ فَعَلَ وَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فَقَالَ مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ اهـ وَقَالَ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا ابْتَعْتُهُ بِعَيْنِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ جُزَافًا أَوْ اشْتَرَيْته مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ جُزَافًا مِنْ عِطْرٍ أَوْ زِئْبَقٍ أَوْ مِسْكٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ تَوَابِلَ وَشِبْهِهِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ بَائِعِكَ أَوْ غَيْرِهِ وَتَحَيُّلِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ابْتَعْتُ اهـ

[فَصْلٌ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَالْخِيَارُ عَارِضٌ]

ص (فَصْلٌ: إنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ)

ش: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ مَا يَعْرِضُ لَهُ إلَى أَقْسَامٍ وَأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْعَقْدِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَيُسَمَّى الْأَوَّلُ بَيْعَ بَتٍّ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ خِيَارُ صَاحِبِهِ وَيُسَمَّى الثَّانِي بَيْعَ خِيَارٍ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَالْخِيَارُ عَارِضٌ وَيَنْقَسِمُ إلَى خِيَارِ تَرَوٍّ وَإِلَى خِيَارِ نَقِيصَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ بِأَنْ يَشْتَرِطَهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فَهُوَ خِيَارُ التَّرَوِّي وَيُسَمَّى الْخِيَارَ الشَّرْطِيَّ، وَالتَّرَوِّي النَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي الْأَمْرِ وَالتَّبَصُّرُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُوجِبُهُ ظُهُورَ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ فَهُوَ خِيَارُ النَّقِيصَةِ وَيُسَمَّى الْخِيَارَ الْحُكْمِيَّ.

وَقَدْ يُقَالُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ الْخِيَارِ مُصَاحِبًا لِلْعَقْدِ أَوْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ التَّرَوِّي؛ لِأَنَّهُ بِشَرْطِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ حِينَ الْعَقْدِ، وَالثَّانِي خِيَارُ النَّقِيصَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْمُوجِبَ لِلْخِيَارِ هُوَ الْقَدِيمُ السَّابِقُ عَلَى الْعَقْدِ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَعْنِي خِيَارَ التَّرَوِّي وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بَيْعُ الْخِيَارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْعُ الْخِيَارِ بَيْعٌ وُقِفَ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ فَيَخْرُجُ ذُو الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ لِلتَّرَدُّدِ فِي الْعَقْدِ لَا يُسَمَّى فِي جَانِبِ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ لَكِنْ أَجَازَهُ الشَّارِعُ لِيَدْخُلَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى بَصِيرَةٍ بِالثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ وَلِيَنْفِيَ الْغَبْنَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْلَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَازَ الْخِيَارُ لَا فِي ثَلَاثٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا، انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَكِنْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِ التَّوْضِيحِ أَجَازَهُ الشَّارِعُ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ رَخَّصَ فِيهِ فَجَعَلَهُ رُخْصَةً وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَنَصَّهُ الْمَازِرِيُّ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ الْغَرَرِ الَّذِي فِيهِ كَوْنُ الثَّمَنِ يَخْتَلِفُ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ بِحَسَبِ الْبَتِّ وَالْخِيَارِ وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ ذَلِكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَعْلُومٌ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْدٌ عَلَى ثَمَنٍ لَا يُدْرَى أَيَكْثُرُ أَمْ يَقِلُّ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ عَلَى أَنَّ خِيَارَ التَّرَوِّي إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْطِ أَيْ بِأَنْ يَشْتَرِطَهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا لَا بِالْمَجْلِسِ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْخِيَارُ تَرَوٍّ وَنَقِيصَةٌ فَالْخِيَارُ بِالشَّرْطِ لَا بِالْمَجْلِسِ لِلْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ بِالْمَجْلِسِ لِحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ وَمَعْنَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ مُدَّةَ جُلُوسِهِمَا مَعًا حَتَّى يَفْتَرِقَا وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ وَمِثْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَنَسَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْحَدِيثَ لِلْمُوَطَّإِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>