للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِهِ عِنْدَ بَائِعِهِ، وَإِنْ كَانَ لِيُعَاوِدَ نَظَرَهُ فِي الثَّوْبِ، أَوْ الْعَبْدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ لِيَخْتَبِرَ الْمَبِيعَ كَانَ لَهُ قَبْضُهُ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْخِيَارَ لِمَا أَرَادَهُ كَانَ مَحْمَلُهُ عَلَى غَيْرِ الِاخْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْخِيَارِ أَنَّهُ فِي الْعَقْدِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: سَلِّمْهُ إلَيَّ لِنَخْتَبِرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطٍ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُخْتَصَرًا مُجْحَفًا فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الْخِيَارُ لِخُبْرَةِ الْمَبِيعِ وَالتَّرَوِّي فِي ثَمَنِهِ، أَوْ كَسْبِهِ لَهُ قَبْضُهُ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُبَيِّنَهُ، وَإِلَّا فَلَا.

اللَّخْمِيُّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى وُقُوعِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ قَصْدًا نَقِيضَ الْآخَرِ فُسِخَ اهـ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: الْخِيَارُ إنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَ لِيُعَاوِدَ نَظَرَهُ فِي الثَّوْبِ، أَوْ لِيَخْتَبِرَهُ جَازَ لَهُ قَبْضُهُ اهـ. وَكَذَا قَالَ التُّونُسِيُّ: إنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ إنَّمَا فَهِمْتُ عَنْهُ الْمَشُورَةَ لَا أَنْ أَدْفَعَ إلَيْهِ عَبْدِي فَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَلَا يُدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي لِيَخْتَبِرَهُ إلَّا بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ تَارَةً يَكُونُ لِلْمَشُورَةِ وَتَارَةً لِلِاخْتِبَارِ، وَلَا يَلْزَمُ الِاخْتِبَارُ إلَّا بِشَرْطٍ اهـ.

ص (أَوْ لُبْسِ ثَوْبٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ إذَا شَرَطَ الْمُشْتَرِي لُبْسَ الثَّوْبِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِذَا فُسِخَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ لِأَجْلِ اللُّبْسِ.

ابْنُ يُونُسَ بِلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إذَا فُسِخَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ الْغَلَّةِ، وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ هَلْ ضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ ابْنُ يُونُسَ فَعَلَى أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُبْتَاعِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي اللُّبْسِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ؛ فَإِنَّ حِكَايَتَهُ الْخِلَافَ ثَانِيًا يُخَالِفُ مَا حَكَاهُ أَوَّلًا مِنْ الِاتِّفَاقِ، وَقَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ لُبْسُ الثَّوْبِ يَعْنِي اللُّبْسَ الْكَثِيرَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يَقِيسَهُ عَلَيْهِ وَاخْتَصَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَمَّا الثَّوْبُ فَإِنَّمَا يُشَاوِرُ فِيهِ وَيَقِيسُهُ.

[كِرَاءُ اللُّبْسِ]

(الثَّانِي:) قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِذَا فَسَخَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ لِأَجْلِ اللُّبْسِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كِرَاءُ اللُّبْسِ سَوَاءٌ نَقَصَهُ، أَوْ لَمْ يُنْقِصْهُ، وَاَلَّذِي فِي ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ اللُّبْسِ إذَا نَقَصَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ.

(الثَّالِثُ:) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ التَّرَافُعِ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ لَيْسَ فِيهِ فِيمَا رَأَيْتُ، وَنَصُّهُ: وَإِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي اشْتِرَاطِ لُبْسِ الثَّوْبِ، وَنَقَصَ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَةُ لُبْسِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهَلَكَتْ السِّلْعَةُ، مِمَّنْ ضَمَانُهَا؟ فَقِيلَ مِنْ الْبَائِعِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي قِيمَةِ اللُّبْسِ مِثْلَ مَا قَدَّمْنَا، وَقِيلَ: مِنْ الْمُبْتَاعِ يَوْمَ قَبَضَهَا كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي اللُّبْسِ كَسَائِرِ الْغَلَّاتِ ابْنُ يُونُسَ، وَلَمْ أَرَ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ خِلَافًا أَنَّ الْمُصِيبَةَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ الطَّوِيلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ فَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُهُ: إنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ وَقَعَ فَاسِدًا، وَهَذَا بِخِلَافِ إذَا صَحَّ الْخِيَارُ، وَفَسَدَ الْبَيْعُ لِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِيهِ أَنَّ الضَّمَانَ هَاهُنَا مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ هَاهُنَا صَحِيحٌ.

ابْنُ يُونُسَ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ قِيمَةُ لُبْسِ الثَّوْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِلَا خِلَافٍ فَانْظُرْهُ اهـ. فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَدَافُعٌ؛ لِأَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ فِي ضَمَانِ الْمَبِيعِ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ، وَأَنَّ الْبَعْضَ الْمَذْكُورَ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ فِي أُجْرَةِ لُبْسِ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَلَا، وَأَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ وَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ إذَا فَسَدَ، فَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ مِنْ جِهَةِ الْخِيَارِ لِاشْتِرَاطِ الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ فَاخْتُلِفَ فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْخِيَارِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>