للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَبِيعِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَتَعَلَّمَ الصِّنَاعَاتِ، وَيَتَخَرَّجَ فَتَزِيدَ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا لَا يُعْتَبَرُ، وَلَا يُوجِبُ لِلْمُبْتَاعِ خِيَارًا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ فِي أَوَّلِهِ: وَلَا يُفِيتُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا فَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ، أَوْ صَنْعَةً نَفِيسَةً فَارْتَفَعَ ثَمَنُهُ لِذَلِكَ، أَوْ ابْتَاعَ أَمَةً فَعَلَّمَهَا الطَّبْخَ وَالْغَسْلَ وَنَحْوَهُ فَارْتَفَعَ ثَمَنُهَا لِذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ فَوْتًا، وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ، أَوْ يَرُدَّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ: كَانَ يَجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِمَا أَخْرَجَ فِي تَعْلِيمِهَا.

اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةِ نَقْلِ الْمَبِيعِ الْآتِيَةِ، وَبِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا بَاعَهُ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ رَبُّهُ لِدَيْنٍ سَابِقٍ، ثُمَّ أَيْسَرَ، ثُمَّ أَعْسَرَ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ حَبْسَهُ وَالرُّجُوعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَدَّهُ عَلَى رَبِّهِ عَتَقَ لِيُسْرِهِ الطَّارِئِ، وَلَا يَجِدُ ثَمَنًا يَأْخُذُ بِالْعُسْرِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْيُسْرِ الْمَذْكُورِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمَازِرِيَّ أَجَابَ بِأَنَّ ضَرْبَ عَدَمِ الرُّجُوعِ نَاشِئٌ عَنْ الرَّدِّ وَعَدَمِ أَجْرِ الصَّنْعَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. وَزِيَادَةٌ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ بِنَمَاءٍ حَادِثٍ فِيهِ كَالدَّابَّةِ تَسْمَنُ وَالصَّغِيرِ يَكْبَرُ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسَةِ مُضَافٍ إلَيْهِ كَالْوَلَدِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَعَجَفِ دَابَّةٍ وَسِمَنِهَا، وَزِيَادَةٌ مُضَافَةٌ لِلْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ، وَلَا مَالَ لَهُ فَيُفِيدُ عِنْدَهُ مَالًا بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ كَسْبٍ مِنْ تِجَارَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ خَرَاجِهِ، أَوْ يَشْتَرِيَ النَّخْلَ، وَلَا ثَمَرَ فِيهِ فَتُثْمِرَ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَجِدَ عَيْبًا فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهُ خِيَارًا، أَوْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ وَالنَّخْلَ وَثَمَرَتَهَا مَا لَمْ يَطِبْ، وَيَرْجِعُ بِالْعِلَاجِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ يُمْسِكَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.

وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَطِبْ أَيْ مَا لَمْ تَزْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَمْ تَرِدْ كَشُفْعَةٍ وَزِيَادَةٍ أَحْدَثَهَا الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ مِنْ صَنْعَةٍ مُضَافَةٍ إلَيْهِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَاللَّبَدِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ إلَّا بِفَسَادٍ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ أَنْ يَتَمَسَّكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، أَوْ يَرُدَّ، وَيَكُونَ شَرِيكًا اهـ.

وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى، وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ الْخَمْسَةَ أَوْجُهٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ الْخَامِسُ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَأَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا الرَّابِعُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: كَعَجَفِ دَابَّةٍ وَسِمَنِهَا، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّقْوِيمِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَدَثَتْ زِيَادَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ فَيُقَوَّمُ الْمَبِيعُ تَقْوِيمَيْنِ يُقَوَّمُ سَالِمًا، ثُمَّ مَعِيبًا، وَيَأْخُذُ مِنْ الثَّمَنِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ قُوِّمَ تَقْوِيمَيْنِ أَيْضًا فَيُقَوَّمُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ.

ثُمَّ يُقَوَّمُ مَصْبُوغًا فَمَا زَادَتْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَتِهِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ نُسِبَ إلَى قِيمَتِهِ مَصْبُوغًا وَكَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فِي الثَّوَابِ بِنِسْبَتِهِ كَمَا إذَا قُوِّمَ غَيْرَ مَصْبُوغٍ بِثَمَانِينَ وَقُوِّمَ مَصْبُوغًا بِتِسْعِينَ فَيَنْسِبُ الْعَشَرَةَ الزَّائِدَةَ إلَى تِسْعِينَ فَتَكُونُ تِسْعًا، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِالتِّسْعِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا، وَغَيْرَ مَصْبُوغٍ يَوْمَ الْبَيْعِ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ، وَيَوْمَ الْحُكْمِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ وَزِيَادَةٌ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ قُوِّمَ الْمَبِيعُ تَقْوِيمَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِ تَقْوِيمَاتٍ يُقَوَّمُ سَالِمًا، ثُمَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ بِالْحَادِثِ، ثُمَّ بِالزِّيَادَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا حَاجَةَ إلَى تَقْوِيمِهِ سَالِمًا، وَلَا إلَى تَقْوِيمِهِ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ بِالزِّيَادَةِ فَيُشَارِكُ فِي الْمَبِيعِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ تَقْوِيمَاتٍ إذَا شَكَّا فِي الزِّيَادَةِ هَلْ جَبَرَتْ الْعَيْبَ أَمْ لَا؟ فَيُقَوَّمُ سَالِمًا، ثُمَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ بِالزِّيَادَةِ، فَإِنْ جَبَرَتْ الْعَيْبَ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ، فَإِنْ زَادَتْ حَصَلَتْ الْمُشَارَكَةُ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ الصَّنْعَةُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>