للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْهِ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ قَدِيمٌ غَيْرُ هَذَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ قَوْلًا وَاحِدًا بِدَلِيلِ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْوَدِيعَةِ.

وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ لَهُ عِنْدَهُ حَقٌّ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ عَلَى الطَّالِبِ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْعِشْرِينَ، وَأَتَى بِبَرَاءَةٍ مِنْهَا وَقَالَ: هِيَ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا وَقَالَ الطَّالِبُ: غَيْرُهَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ إنْ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ غَيْرُهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا قِبَلَهُ وَلَا بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، وَيَخْتَلِفُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلِسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ الْمِدْيَانِ ثَالِثٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ تَفْرِقَتُهُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَطْلُوبُ بِبَرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ تَسْتَغْرِقُ الْعَدَدَ أَوْ بِبَرَاءَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مُنْكِرًا لِلْعِشْرِينَ الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِهَا، فَلَا إشْكَالَ وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ إذْ لَا تَسْقُطُ بَيِّنَتُهُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ إذَا أَتَى بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ الْعِشْرِينَ بَعْدَ الْإِنْكَارِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى.

وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى هُوَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ، وَنَصُّهُ وَسَأَلْت ابْنَ وَهْبٍ عَنْ الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَيْهِ رَجُلٌ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَيَدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَضَاهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَعِشْرِينَ وَيَأْتِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا تَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِائَةِ الدِّينَارِ بِعَيْنِهَا أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَيَقُولُ الطَّالِبُ إنَّمَا لِي عَلَيْكَ مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ عِطْرٍ بِعْتُكَهُ وَثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ لَهُ الطَّالِبُ هَاتِ الْبَيِّنَةَ إنَّك قَضَيْتنِي ثَمَنَ الْعِطْرِ بِعَيْنِهِ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قَضَيْتُكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ ثَمَنَ الْعِطْرِ فِيهَا فَهَلْ يَبْرَأُ الْمَطْلُوبُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْهَا فَقَالَ: يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلَتْ الْمِائَةُ دِينَارٍ ثَمَنُ الْعِطْرِ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي قَضَاهُ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَأَتَى بِذِكْرِ حَقٍّ، فَأَتَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَرَاءَةٍ مَنْ أَلْفَيْ دِينَارٍ قَالَ: يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَبْرَأُ، وَهَذَا أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا.

قَالَ يَحْيَى: وَسَأَلْتُ ابْنَ نَافِعٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَمُلَابَسَةٌ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ ثَمَنَ الْعِطْرِ دَخَلَتْ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ وَإِلَّا غَرِمَ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَامَلَهُ فِي غَيْرِ الْعِطْرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَقَطَ جَوَابُ ابْنِ وَهْبٍ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَثَبَتَ فِي بَعْضِهَا؟ قَالَ نَعَمْ فَقَوْلُهُ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ، فَهُوَ خِلَافٌ لَهُمْ إذْ لَا فَرْقَ فِي مَذْهَبِهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ لَا يَكُونَ، الْقَوْلُ عِنْدَهُمْ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَأْتِيَ الطَّالِبُ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَاهُ وَلَا اخْتِلَافَ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ، وَلَا فِي أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُهُ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ وَمُلَابَسَةٌ انْتَهَى. وَلَهُ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ نَحْوُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَقَامَ بِهِ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَزَعَمَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ، فَتَأْتِي الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ مُنْذُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ نَحْوِهَا وَيَأْتِي صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ مُنْذُ سِنِينَ فَبِأَيِّ الشَّاهِدَيْنِ يُؤْخَذُ قَالَ: يُؤْخَذُ بِأَحْدَثِهِمَا وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الَّذِي يُوجِبُهُ الْحُكْمُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ لَهُ بِالْحَقِّ بَعْدَ أَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْقَضَاءِ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>