للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدَيْهِ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْرَارُ مَسْحٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ السُّنَنَ الَّتِي تُفْعَلُ إذَا تُرِكَتْ الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا، وَالتَّرْتِيبُ.

(الثَّانِي) إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهَا كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُوَطَّإِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ السَّهْوِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ مَعَ الْعَمْدِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي السَّهْوِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَمَنْ تَرَكَهُمَا وَصَلَّى أُمِرَ بِإِعَادَتِهِمَا مَا نَصُّهُ: وَإِذَا أَعَادَهُمَا فَهَلْ يُعِيدُ مَا بَعْدَهُمَا إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ كَمَا فِي الْمَفْرُوضِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ: الْإِعَادَةُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَنَفْيُهَا لِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَوَجْهُ عَدَمِ الْإِعَادَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا وَبَيْنِهَا وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ مُسْتَحَبٌّ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَغْسُولَاتِ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ عِنْدَهُ سُنَّةٌ لَكِنَّهُ أَخَفُّ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ: وَلَعَمْرِي أَنَّهُ خِلَافُ مَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ.

(الثَّالِثُ) إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ الْوُضُوءَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِتْيَانِ بِهَا. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(الرَّابِعُ) إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ عَامِدًا حَتَّى طَالَ فَقَدْ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ وَلَوْ بَنَى عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ صَلَّى بِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَضُرُّ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ قَدْرِهِ، وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا بِالْقُرْبِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يَفْعَلُهَا أَيْضًا وَلَوْ طَالَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَامِدًا: فِي اسْتِحْبَابِ إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ قَوْلَيْنِ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ مَا تَرَكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الزَّاهِي وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَمَنْ تَرَكَهُمَا وَصَلَّى أُمِرَ بِفِعْلِهِمَا، وَقَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَعَمِّدِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: بِفِعْلِهِمَا أَيْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَقَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَمَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ كَمَا ذُكِرَ، وَنَفْيُهَا، وَالثَّالِثُ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْإِعَادَةُ أَبَدًا، نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَقَالَ: وَهَذَا إمَّا لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ وَاجِبَتَانِ، وَإِمَّا لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَنِ عَمْدًا لَعِبٌ وَعَبَثٌ، وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْبَيَانِ وَأَمَّا الْعَامِدُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا إعَادَةَ، وَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، فَقِيلَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: يُعِيدُ أَبَدًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ يُعِيدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَبَدًا انْتَهَى. وَمَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ النَّاسِيَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِهِ وَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُعِيدَ النَّاسِي أَيْضًا فِي الْوَقْتِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِيهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَيَفْعَلُهُمَا تَارِكُهُمَا.

وَفِي إعَادَةِ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ ثَالِثُهَا فِي الْعَمْدِ لِلَّخْمِيِّ وَنَقَلَهُ وَسَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ لِابْنِ حَبِيبٍ وَخَرَّجَ إعَادَتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>