للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَعْنَاهُ الْحَثُّ عَلَى عِيَادَةِ الْمَرْضَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ فَيَحْصُلُ لَهُ السُّرُورُ وَالدُّعَاءُ لَهُ وَلَا شَكَّ فِي رَجَاءِ الْإِجَابَةِ لَهُ وَالشِّفَاءِ فَيَنْفَعُهُ فِي الدَّوَاءِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَحَمَلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ عَنْهُ وَيَطْلُبُ لَهُ الدُّعَاءَ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَيُرْجَى لَهُ الشِّفَاءُ. ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْوَصَايَا وَالْمَحْجُورِ وَهُوَ فِي النَّوَازِلِ فِي بَابِ الْجَامِعِ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْإِحْيَاءِ: حَدِيثُ الصَّدَقَةُ تَسُدُّ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ السُّوءِ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الْبِرِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «إنَّ اللَّهَ لَيَدْرَأُ بِالصَّدَقَةِ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ مَيْتَةِ السُّوءِ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَة عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ]

(فَرْعٌ) ، قَالَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي وِلَايَةٍ فَيَجُوزُ وَإِنْ شُرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ لَمْ يَجُزْ كَانَ وَلَدًا لِلْوَاهِبِ أَوْ أَجْنَبِيًّا. الْمَشَذَّالِيُّ، قَالَ الْقَابِسِيُّ عَنْ ابْنِ عِمْرَانَ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا؟ وَهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا؛ شَرَطَهُ أَمْ لَا. أَبُو عِمْرَانَ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا تُبَاعَ عَلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ لِوَلِيِّهِ بَيْعَ عُرُوضِهِ فِي النَّفَقَةِ فَشَرَطَ أَنْ لَا تُبَاعَ وَيُبَاعُ غَيْرُهَا إنْ وُجِدَ، قَالَ الْقَابِسِيُّ: الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَهِيَ كَالْحَبْسِ الْمُعَيَّنِ لَوْ وَهَبَ لِسَفِيهٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهَا وَأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِوَصِيِّهِ فِيهَا نَفَذَ ذَلِكَ الشَّرْطُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ حَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى خَمْسَةَ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَاهِبُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ (الثَّانِي) أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ شَرْطَهُ أَوْ يَسْتَرِدَّ هِبَتَهُ وَرَثَتْهُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ أَمْرُهُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَأْتِي عَلَى مَا فِي مَسْأَلَةِ الْفَرَسِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْبِيسِ الدَّارِ وَاشْتُرِطَ تَرْمِيمُهَا عَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ وَالْهِبَةَ مَاضِيَةٌ لَازِمَةٌ فَتَكُونُ الصَّدَقَةُ بَيْنَ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ كَالْحَبْسِ لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ وُرِثَ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ. وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَبْسًا فَإِذَا مَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجَعَ إلَى الْمُتَصَدِّقِ أَوْ وَرَثَتِهِ أَوْ أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَالْأَقْوَالُ مَبْسُوطَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَرَاجِعْهَا فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ أَحِجُّوا فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي]

(فَرْعٌ) ، قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: أَحِجُّوا فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي أُعْطِيَ مِنْ الثُّلُثِ بِقَدْرِ مَا يَحُجُّ بِهِ فَإِنْ أَبَى الْحَجَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ إلَّا أَنْ يَحُجَّ بِهِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ لِيَتَزَوَّجَ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَا يُفْهَمُ بِالْقَرَائِنِ عَنْ الْمُوصِي إنْ أَرَادَ الْإِرْفَاقَ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَإِنْ أَرَادَ خُصُوصِيَّةَ النِّكَاحِ رَجَعَ مِيرَاثًا وَإِنْ جَهِلَ الْأَمْرَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ تَجَاوُزِ النِّكَاحِ فَإِنْ انْعَدَمَ رَجَعَ مِيرَاثًا (قُلْتُ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَجْرِي عَلَى مَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فِيمَنْ أَخَذَ مَالًا لِيَغْزُوَ بِهِ فَلَمْ يَغْزُ أَنَّهُ يَرُدُّ وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا دُفِعَ لَهُ مَالٌ لِيَتَحَمَّلَ بِهِ فَلَمْ يُسَافِرْ أَنَّهُ يَرُدُّهُ، وَمَنْ دُفِعَ لَهُ مَالٌ لِيَقْرَأَ فَلَمْ يَفْعَلْ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَحُكِيَ أَنَّ الْفَقِيهَ التَّادَلِيَّ وَقَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ دَفَعَ لَهُ أَبُوهُ مَالًا لِيَقْرَأَ عَلَيْهِ فَرَأَى أَنَّ غَرَضَ أَبِيهِ لَمْ يَحْصُلْ فَرَدَّ لَهُ الْمَالَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الْقِرَاءَةِ غَرَضَهُ فَأَتَى أَبُوهُ إلَى بَعْضِ الصَّالِحِينَ فَشَكَا لَهُ أَمْرَهُ فَدَعَا لَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَهُ الْمُدَوَّنَةَ كَمَا فَتَحْتَهَا لِسَحْنُونٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>