للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمْ وَيَفْحَصُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ فَمَنْ كَانَ عَدْلًا أَثْبَتَهُ وَمَنْ كَانَ فِيهِ جُرْحَةٌ أَسْقَطَهُ وَأَرَاحَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إذَايَتِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ غَيْرَ الْمَرَضِيِّ يُنَصِّبُهُ لِلنَّاسِ فَإِنَّهَا خَدِيعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَصْمَةٌ فِي شَعَائِرِ الدِّينِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَرِّحَ بِعَزْلِ هَؤُلَاءِ وَيُسَجِّلَ عَلَى شَاهِدِ الزُّورِ كِتَابًا مُخَلَّدًا بَعْدَ عُقُوبَتِهِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَشْفُ عَنْ الْمَحْبُوسِينَ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ الشُّهُودَ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ كُلِّهِ عَلَيْهِمْ وَإِذَا وَلِيَ قَضَاءَ غَيْرِ بَلَدِهِ فَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ عُدُولِ الْبَلَدِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، قَالَ: وَيُنَادِي مُنَادٍ يُشْعِرُ النَّاسَ بِاجْتِمَاعِهِمْ لِقِرَاءَةِ سِجِلِّهِ الْمَكْتُوبِ بِوِلَايَتِهِ فَإِذَا فَرَغَ نَظَرَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ وَالْعَدْلُ أَنْ يَكُونَ فِي وَسْطِ الْبَلَدِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ: إذَا وَلِي قَضَاءَ غَيْرِ بَلَدِهِ يَنْبَغِي لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ بَحْثُهُ عَنْ عُدُولِ الْبَلَدِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ بِمَكَانِهِ مَنْ يَعْرِفُ حَالَهُمْ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ حَالِهِمْ وَقَدْ يَفْتَقِرُ فِي حَالَةِ قُدُومِهِ لِلِاسْتِعَانَةِ بِأَحَدِهِمْ (قُلْتُ) وَلِهَذَا الْمَعْنَى كُنْتُ أَفْهَمُ مِنْ بَعْضِ مَنْ لَقِيتُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ، قَالَ: يَنْبَغِي لِمَنْ هُوَ بِحَيْثِيَّةِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ الشُّورَى فِيمَا يَعْرِضُ مِنْ الْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَسْمَعَ مَا يُذْكَرُ فِي بَعْضِ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ بِنِيَّةِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَحْكَامَ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ لَا بِنِيَّةِ التَّفَكُّهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سَمَاعِ الْغِيبَةِ وَمَنْعُ ذَلِكَ يُوجِبُ تَعْطِيلَ الْأَحْكَامِ أَوْ تَوْلِيَةَ مَنْ لَا تَحِلُّ تَوْلِيَتُهُ وَلَوْلَا هَذَا مَا صَحَّ ثُبُوتُ تَجْرِيحٍ فِي رَاوٍ وَلَا شَاهِدٍ وَلَا غَيْرِهِ، انْتَهَى.

ص (وَنَادَى بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ يَتِيمٍ إلَخْ) ش حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ قَوْلِهِ ثُمَّ وَصِيٍّ وَمَا مَعَهُ وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ لِابْنِ فَرْحُونٍ: (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا النِّدَاءُ فِي حَقِّ السَّفِيهِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ أَفْعَالَ السَّفِيهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يُوَلِّ عَلَيْهِ أَوْ يَضْرِبْ عَلَى يَدَيْهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ أَفْعَالَهُ مَرْدُودَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، انْتَهَى.

ص (وَرَتَّبَ كَاتِبًا عَدْلًا شَرْطًا)

ش: اعْلَمْ أَنَّ تَرْتِيبَهُ لِلْكَاتِبِ وَلِلْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمِ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ هَذَا ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ وَالْقَرَافِيَّ جَعَلَاهُ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُهُ عَدْلًا، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي صِفَاتِهِ أَرْبَعَةً، الْعَدْلُ، وَالْعَقْلُ، وَالرَّأْيُ، وَالْعِفَّةُ. وَقَوْلُهُ شَرْطًا كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا مَرَضِيًّا وَهِيَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ، قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْكَاتِبِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقِفُ عَلَى مَا يَكْتُبُ، انْتَهَى.

إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ فِي الْجَوَاهِرِ مَا عَزَاهُ لِابْنِ شَاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَعِينُ مَعَ الْقُدْرَةِ إلَّا بِالْعُدُولِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ جَازَ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَسْتَكْتِبُ الْقَاضِي أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَتَّخِذُ قَاسِمًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَبْدًا وَلَا مُكَاتَبًا وَلَا يَسْتَكْتِبُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْعُدُولَ الْمَرْضِيِّينَ فَلَعَلَّ هَذَا مَعَ الِاخْتِيَارِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ: هَذَا إذَا وُجِدَ وَإِلَّا الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ إنَّ عَدَالَةَ الْكَاتِبِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لَكِنْ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَبْعُدُ حَمْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى الْوُجُوبِ، انْتَهَى.

هَذَا كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا نَظَرُ الْقَاضِي فِيمَا يَكْتُبُهُ فَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ: إنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اطِّلَاعِ الْقَاضِي عَلَى مَا يَكْتُبُهُ فَيَجْلِسُ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَكْتُبُ وَقَدْ رَجَّحَ بَعْضُ أَشْيَاخِي وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي إذَا كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَاهَدَ مَا يَكْتُبُ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَمْرٍ تَيَقَّنَهُ وَإِذَا عَوَّلَ عَلَى الْكَاتِبِ الْعَدْلِ اقْتَصَرَ عَلَى أَمْرٍ مَظْنُونٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُحَقَّقِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>