للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوْطٌ عَنْ جِسْمِي إلَّا وَأَنَا أَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ مِنْ ذَاكَ الْوَقْتِ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقِيلَ: حُمِلَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ وَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْت ضَارِبِي فِي حِلٍّ ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَدْ تَخَوَّفْت أَنْ أَمُوتَ أَمْسِ فَأَلْقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْتَحِي مِنْهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي فَمَا كَانَ إلَّا مُدَّةٌ حَتَّى غَضِبَ الْمَنْصُورُ عَلَى ضَارِبِهِ فَضَرَبَهُ وَنِيلَ مِنْهُ أَمْرٌ شَدِيدٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ حِينَ ضُرِبَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَكَانَ ضَرَبَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ.

قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ عَلَيَّ أَشَدَّ يَوْمَ ضُرِبْت مِنْ شَعْرٍ كَانَ فِي صَدْرِي وَكَانَ فِي إزَارِي خَرْقٌ ظَهَرَتْ مِنْهُ فَخِذِي فَجَعَلْت بِيَدَيَّ أَسْتَجْدِي الْإِزَارَ وَلَا أَتْرُكُ عَلَيَّ شَعْرًا وَكَانَ يَقُولُ: ضُرِبْت فِيمَا ضُرِبَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَيَذْكُرُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا أَغْبِطُ أَحَدًا لَمْ يُصِبْهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَذًى قَالَ الْإِبْيَانِيُّ: مَا زَالَ مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّرْبِ فِي رِفْعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَإِعْظَامٍ حَتَّى كَأَنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْوَاطُ إلَّا حُلِيًّا حُلِّيَ بِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّإِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ إلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَتَرْكِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ: إنَّ اللَّهَ قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ فَرُبَّ رَجُلٍ فَتَحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ وَآخَرَ فَتَحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ وَآخَرَ فَتَحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ رَضِيت بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كُلُّنَا عَلَى خَيْرٍ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَالسَّلَامُ اهـ.

وَفِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا عَنْ شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْبَاطِنِ فَغَضِبَ وَقَالَ: إنَّ عِلْمَ الْبَاطِنِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ عَرَفَ الظَّاهِرَ فَإِنَّهُ مَتَى عَرَفَهُ وَعَمِلَ بِهِ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ عِلْمَ الْبَاطِنِ وَلَا يَكُونُ ذَاكَ إلَّا مَعَ فَتْحِ الْقَلْبِ وَتَنْوِيرِهِ ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: عَلَيْك بِالدِّينِ الْمَحْضِ وَإِيَّاكَ وَبُنَيَّاتِ الطُّرُقِ وَعَلَيْك بِمَا تَعْرِفُ وَاتْرُكْ مَا لَا تَعْرِفُ وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: طَلَبُ الْعِلْمِ حَسَنٌ لِمَنْ رُزِقَ خَيْرَهُ وَهُوَ قِسْمٌ مِنْ قَسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنْ اُنْظُرْ مَا يَلْزَمُك مِنْ حِينِ تُصْبِحُ إلَى حِينِ تُمْسِي فَالْزَمْهُ وَقَالَ: لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ، وَقَالَ: شَرُّ الْعِلْمِ الْغَرِيبُ وَخَيْرُ الْعِلْمِ الظَّاهِرُ الَّذِي رَوَاهُ النَّاسُ، وَقَالَ لِابْنِ وَهْبٍ: أَدِّ مَا سَمِعْت وَحَسْبُك وَلَا تَحْمِلْ لِأَحَدٍ عَلَى ظَهْرِك فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: أَخْسَرُ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ وَأَخْسَرُ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ.

وَقِيلَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إذَا خُوِّلَ عِلْمًا وَكَانَ رَأْسًا يُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَيَعْتِبُ نَفْسَهُ إذَا خَلَا بِهَا وَلَا يَفْرَحُ بِالرِّئَاسَةِ فَإِنَّهُ إذَا اُضْطُجِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُسِّدَ التُّرَابَ سَاءَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَالَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا سُئِلَ عَنْهَا الرَّجُلُ فَلَمْ يُجِبْ وَانْدَفَعَتْ عَنْهُ فَإِنَّمَا هِيَ بَلِيَّةٌ صَرَفَهَا اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ مَنْ صَدَقَ فِي حَدِيثِهِ مُنِعَ بِعَقْلِهِ وَلَمْ يُصِبْهُ مَا يُصِيبُ النَّاسَ مِنْ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ وَقَالَ لَا يَصْلُحُ الرَّجُلُ حَتَّى يَتْرُكَ مَا لَا يَعْنِيه وَيَشْتَغِلَ بِمَا يَعْنِيه فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ قَلْبُهُ، وَقَالَ: مَا زَهِدَ أَحَدٌ فِيهَا إلَّا أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِالْحِكْمَةِ، وَقَالَ: عَلَيْك بِمُجَالَسَةِ مَنْ يَزِيدُ فِي عَمَلِك قَوْلُهُ: وَيَدْعُوك إلَى الْآخِرَةِ فِعْلُهُ وَإِيَّاكَ وَمُجَالَسَةَ مَنْ يُضِلُّك قَوْلُهُ وَيَدْعُوك إلَى الدُّنْيَا فِعْلُهُ.

وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: إذَا هَمَمْت بِأَمْرٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَلَا تَحْبِسْهُ فَوَاقًا حَتَّى تُمْضِيَهُ فَإِنَّك لَا تَأْمَنُ الْأَحْدَاثَ وَإِذَا هَمَمْت بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا تُمْضِيَهُ وَلَوْ فَوَاقًا فَلَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ لَك تَرْكَهُ وَلَا تَسْتَحْيِي إذَا دُعِيت لِأَمْرٍ لَيْسَ بِحَقٍّ أَنْ تَعْمَلَ الْحَقَّ، وَاقْرَأْ: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: ٥٣] وَطَهِّرْ ثِيَابَك وَنَقِّهَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَعَلَيْك بِمَعَالِي الْأُمُورِ وَكِبَارِهَا وَاتَّقِ رَذَائِلَهَا وَسَفَاسِفَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَأَكْثِرْ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَاجْتَهِدْ فِي الْخَيْرِ وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت

<<  <  ج: ص:  >  >>