للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ كَمَا لَا تُزَالُ النَّجَاسَةُ بِالطَّعَامِ. انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا نَقَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَتَبَ قَبْلَ قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ضَادًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَلَعَلَّهُ فِي الْإِكْمَالِ وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: شَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَمَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِعَذْبِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مَنْعُهُ بِطَعَامٍ لِأَجْلٍ. انْتَهَى، ثُمَّ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ فِي الْإِكْمَالِ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ وَلَا بُدَّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَحْجَارِ وَحْدَهَا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَأَجْزَأَهُ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْأَفْضَلَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبَقِيَ هُنَا فَرْعٌ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ الْحَجُّ يُزِيلُ الْحُكْمَ أَوْ لَا يُزِيلُ الْحُكْمَ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالِاسْتِنْجَاءُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالِاسْتِنْجَاءُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ: إنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ؟ ، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى الْمَخْرَجَيْنِ تُزَالُ بِالْحَجَرِ أَنَّ الْحَجَرَ يُزِيلُ الْحُكْمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْحُكْمَ وَنَصُّهُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ وَلِأَنَّ الْمَحِلَّ بَعْدَ مَسْحِهِ بِالْأَحْجَارِ نَجِسٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غُسِلَ نَجِسَتْ غُسَالَتُهُ أَوْ لَا أَثَرَ لِلْحِجَارَةِ فِي تَطْهِيرِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّخْفِيفُ فَقَطْ. انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ)

ش: فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَصَى وَالدُّودِ وَالدَّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ: وَيُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ فِي النَّادِرِ كَالْحَصَى وَالدَّمِ وَالدُّودِ كَمَا فِي الْغَائِطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآكِدٍ مِنْهُ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فَأَمَّا الْحَصَى وَالدُّودُ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ بِلَّةٍ فَقَالَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَنْجِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ كَالرِّيحِ وَاَلَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَسْتَنْجِي مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ بِلَّةٌ فَمَاذَا يُزَالُ فَإِنْ تَخَيَّلَ فِيهِ أَدْنَى بِلَّةٍ فَذَلِكَ مِمَّا يُعْفَى عَنْ قَذِرِهِ وَكَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ بِبِلَّةٍ طَاهِرَةٍ فَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لِمَكَانِ الْبِلَّةِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ الِاسْتِجْمَارُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَجَمَّرُ مِنْهُ بِخِلَافِ الدَّمِ انْتَهَى فَمَا ذَكَرَهُ فِي الدَّمِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالْمَنِيُّ بِالْمَاءِ إنْ عُنِيَ بِهِ مَنِيُّ الصِّحَّةِ غَيْرَ مَنِيِّ صَاحِبِ السَّلَسِ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ غُسْلَ جَمِيعِ الْجَسَدِ وَإِنْ عُنِيَ بِهِ مَنِيُّ الْمَرَضِ كَمَنِيِّ صَاحِبِ السَّلَسِ فَلِمَ لَا يَكُونُ كَالْبَوْلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ لِمَرَضٍ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَمَعَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ فَقَطْ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ

قُلْت وَكَذَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَكَذَا مَنْ جَامَعَ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَنِيِّ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَبَوْلِ امْرَأَةٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ بَوْلَ الْمَرْأَةِ يَتَعَيَّنُ فِي غُسْلِهِ الْمَاءُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّ الْبَوْلَ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِجْمَارِ فِي حَقِّهَا وَكَذَلِكَ قَالَ سَنَدٌ: إنَّ الْمَرْأَةَ وَالْخَصِيَّ لَا يَكْفِيهِمَا الْأَحْجَارُ فِي الْبَوْلِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. انْتَهَى، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا عَنْ سَنَدٍ: الْمَرْأَةُ لَا يُجْزِيهَا الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ مِنْ الْبَوْلِ لِتَعَدِّيهِ مَخْرَجَهُ إلَى جِهَةِ الْمَقْعَدَةِ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ. انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْقَرَافِيِّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ وَالْقَرَافِيِّ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ سَنَدٍ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ: هَذَا وُضُوءُ النِّسَاءِ، فَقَالَ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>