للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْتُهُ وَإِلَّا حَلَفْت مَعَ شَاهِدَيَّ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ: حَاصِلُ كَلَامِهِ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ - أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ هُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَشَارَ إلَى التَّبَرِّي مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْعَطَّارِ مُرَاعِيًا أُصُولَ الْمَذْهَبِ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَفَسَّرَ بِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّبَرِّي غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى.

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَرِّرَ وَجْهَ التَّبَرِّي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ كَيْفَ قَالُوا إنَّهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَمَعَ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يُزَكَّيَا لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَيُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ أَقْرَبُ إلَى الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ سَوَاءٌ وَجَدَ شَاهِدًا ثَانِيًا أَوْ لَمْ يَجِدْهُ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُزَكَّيَانِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَكِّيهِمَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ فَقِيَامُ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُزَكَّيَانِ، فَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته أَثْبَتَ حَقِّي وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ لَمْ أَحْلِفْ، فَحِينَئِذٍ يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حِينَئِذٍ أَضْعَفُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْحَقِّ مَعَهُ حَاصِلٌ وَالْوَاحِدُ أَضْعَفُ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ مُخْتَارٌ لِعَدَمِ إثْبَاتِ حَقِّهِ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النُّكَتِ

وَأَمَّا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت فَهَذَا يُبَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حِينَئِذٍ أَقْوَى مِنْ الشَّاهِدَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ لَمْ يُفَصِّلُوا فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ فِي قِيَامِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بَلْ قَالُوا: إنَّهُ يُحَالُ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ قِيَامِ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ؟ .

(فَالْجَوَابُ) إنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي لِمَا يُخْشَى مِنْ فَسَادِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِثَمَنِهِ وَقَوِيَ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ وَضْعِ الْيَدِ مَعَ تَرْكِ الْمُدَّعِي إثْبَاتَ حَقِّهِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا أُبْقِيَ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي مُمْكِنٌ وَلَا كَبِيرَ ضَرَرٍ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي إيقَافِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ، يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أَحْلِفُ أَلْبَتَّةَ مَعَ شَاهِدَيْ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا تَرَكْت، وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنَا لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت فَإِنَّ الْمُدَّعَى فِيهِ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ كَمَا يُوقَفُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَأَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَإِنَّ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ إلَخْ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا يَشْهَدُ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ عَبْدًا سُرِقَ لَهُ مِثْلُ مَا يَدَّعِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُ قَاطِعَةً وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِبَلَدٍ آخَرَ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لِتَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدًا وَلَا بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَوْقِفُوا الْعَبْدَ حَتَّى آتِيَ بِبَيِّنَتِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِي بِبَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ عَلَى الْحَقِّ أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ لَهُ بِهِ دَعْوَاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الْعَبْدَ وَيُوَكَّلُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِبَيِّنَةٍ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ جَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>